Uncategorized

حياة الأماكن!

المكان هو الحياة بالنسبة للإنسان، فالمكان الذي تعيش فيه هو حياتك، وهو حدود دنياك، فإذا كنت تعيش في الدوحة مثلا، فإن دنياك هي مدينة الدوحة، وإذا كنت تتنقل بين الدوحة وعدة مدن أخرى، فإن دنياك تكون أكبر وأوسع، وكلما كان محيط الأرض التي يعيش عليها الإنسان أكبر، كانت حياته أكبر وأشمل، و وسع أفقه، وزادت مداركه.

والأسفار هي التي تحقق هذه المعادلة، صحيح أن ليس كل مسافر يمكنه أن يستفيد من تجارب وخبرات السفر، لكنها تبقى حالات فردية لا يمكن القياس عليها، فتغيير المكان بالنسبة للإنسان أمر غير مألوف في حياتنا المعاصرة، فكل إنسان تربطه روابط خفية بالمكان الذي ولد وعاش طفولته فيه، لم يصل العلماء إلى تفسير هذه الحالة على وجه التحديد، إلا إننا يمكن أن نصنفها مجازا تحت إحساس ما يسمى بالحنين، ولذلك تجد أن معظم هواة الأسفار دائما ما يحطون في أوطانهم، ويتحركون في كل الاتجاهات من هذه  النقطة، كذلك تجد أن أغلب المهاجرين يتمنون ألا تنتهي حياتهم ويلاقوا ربهم إلا من المكان الذي نشأوا منه، بالرغم من طول حياتهم وارتباطهم بالمكان الذي عاشوا فيه!

أما أنا فلدي حنين لكل مكان يرمز لي القدر فيه برمز، سعيدا كان أو حتى حزينا، فالأماكن بالنسبة لي هي تاريخي، وتاريخي هو حياتي وشخصيتي، لذلك كلما سافرت مكانا جديدا تفحصت علاماته ومعالمه، وقبل أن أترك هذا المكان أودع هذه العلامات والمعالم، وأسأل نفسي: هل سيكتب الله لي رؤية هذه الأماكن مرة أخرى؟ وأتركها وكلي أمل في العودة إليها مرة ثانية، وعندما يكتب الله لي العودة إلى نفس المكان، أشعر بالسعادة البالغة وأنا أعانق أجواءه، وأمٌلي نظري منه، وتداعبني الذكريات الجميلة والحزينة، فأشكر الله على كليهما، وأدعوه أن أعود إليها من جديد.

والحنين معنى من المعاني الكثيرة التي نعرفها جيدا، ولكننا قد لا نستطيع أن نفهمها، نشعر بها ولكننا لا نستطيع تفسيرها، وعندها فقط نقول لأنفسنا أن ذلك من طبائع الأشياء ومن المسلمات، وإذا كان الحنين للبشر أمرا يبدو طبيعيا كون الإنسان كائنا اجتماعيا لا يستطيع العيش بمفرده، فإن الحنين للمكان ربما يكون أمرا عجيبا من الصعب على صاحبه تفسيره، فما تفسير أن يحن إنسان لبيت قديم، أو مكان به شجرة عتيقة، أو لشاطئ معين يظهر البحر من زاوية بشكل خاص، أو حتى لوحة مرسومة لمكان خيالي لا يعرفه؟!! البعض يقول أن للأماكن شخصيات تنادي على البعض منا، نتأثر بها وننجذب إليها، نفعل في مكان ما ، مالا نستطيع أن نفعله في مكان آخر، نذهب لمكان ونحدثه بصوت عال، نصرخ فيه ونضحك ونقهقه، أمر عجيب يقودني لفكرة أعجب، وهي أن للأماكن حياة وإن كانت من نوع آخر، تشدنا إليها، وتربط مشاعرنا بها، وتجعلنا نحن إليها كلما بعدنا عنها، مجرد فكرة.

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x