مقالات اجتماعية

يوم بلا أم!

ست الحبايب يا حبيبة..

يا أغلى من روحي ودمي..

يا حنينة وكلك طيبة..

يارب خلليكي يا أمي..

تذكرت هذه الكلمات الخالدة والمؤثرة، التي كتبها الشاعر الكبير حسين السيد، والتي تتردد على مسامعنا والناس تحتفل بيوم الأم هذه الأيام، كل الناس الذين لديهم أمهات، استعدوا اليوم للاحتفال بأمهاتهم، صحيح أن أمهاتنا تستحق أن نحتفي بهن كل يوم، وكل دقيقة، بل وكل لحظة، لكن يبقى يوم الأم بدعة محمودة، نركز فيه ونجتهد لإسعادها، اعترافا منا بعظيم فضلها، ورغبة منا في نيل رضاها، ومحاولة منا لرد بعض جميلها، وإدخال الفرح والسرور على قلبها.

اليوم، في الوقت الذي يذهب كل ابن ليقبل يد أمه، ويقدم لها فروض الولاء والامتنان، أجدني في هذه الدنيا بلا أم، لا أجد أما أقبل يديها، لا أجد أما ألتمس حنانها، لا أجد أما أخرج أمامها الطفل الذي يسكن داخلي، أرمي عليها بهمومي، تستوعبني، فأتلذذ بالغرق في بحر أمومتها العميق، بعد رحيلك يا أمي، من أحتفل به اليوم، من أذهب إليه متلهفا لحضنه، شعور عميق يشدني للوراء، سنوات طويلة مضت، منذ أن كنت طفلا، كان هذا اليوم يحفر في ذاكرتي علامات مضيئة، تملؤها البهجة والفرحة والتفاؤل، كنا نستعد لاستقبال هذا اليوم قبله بفترة، كانت الفرحة تعم بيتنا، وكنت أرى أمي في هذا اليوم بصورة تختلف عن باقي الأيام، يبدو إنها كانت تشعر بحبها ينبض في عروقنا، وتنافسنا للفوز بابتسامة رضا منها، فتملؤها السعادة وتطل من عينيها، وتظهر على قسمات وجهها، فتملأ جو البيت سعادة وفرحا، فالأم هي قلب البيت النابض، كما هي عقله وروحه وجسده، الأم في البيت هي كل شيء، تماما مثلما هي في حياة كل ابن، وفي حياتي.

أحاسيس غريبة تجتاح دواخلي، أول مرة يمر عليَّ هذا اليوم بدون أم، إحساس لم أتذوقه من قبل، إحساس في غاية الألم، لم أكن أعرفه ولا أتصوره، لكن المؤكد أن رجالا كثيرين غيري، يحملون بداخلهم أحاسيس الطفولة، تعذبوا بهذه المشاعر قبلي عندما فقدوا أمهاتهم، يا لحماقتي كم كنت أنانيا عندما كنت لا أفكر لحظة في كل من فقد أمه وحزن عليها، في الوقت الذي كنت أتنعم أنا فيه من حنان أمي، فدار كأس الفراق وتجرعته، لأعرف أن هكذا هي الدنيا.

يا لحزني على فراقك يا أمي، وحسرتي وندمي كلما تذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما قال: “رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك أبويه عنده الكبر، أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة”، أشعر بالذنب من أن أكون قد قصرت معك، كان لابد أن أبذل أكثر وأكثر لإسعادك ونيل رضاك، كان يمكنني أن أفعل ذلك وأكثر، ولكن الوقت مضى فسامحيني يا حبيبتي.

يا من تحتفل بأمك اليوم، وكل يوم، هنيئا لك، ولا تلهك الأيام والأعمال والزوجة والأولاد، لا يلهك شئ عن أمك، وفَّ أمك حقها اليوم، ولا يغرك الوقت والزمن، فتندم على ما فرطت فيه من حقها، وقت لا ينفع الندم.

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Most Voted
Newest Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x