أصبحت القنوات الفضائية أهم الظواهر الإعلامية الثقافية التي شهدتها أواخر القرن العشرين، وأمرا واقعا لا يستطيع أحد الهروب منه، أو محاولة الوقوف أمامها، فقد بدأ طوفان التقنية الحديثة وهو مستمر ولا نستطيع إيقافه، وما زلنا مقبلين على تكنولوجيا متقدمة في كافة المجالات، إذ بلغ عدد القنوات الفضائية التي تبث موادها الإعلامية عبر الساعة للمواطن العربي ما يزيد على 350 قناة، تنوعت ما بين التطرف والانحلال، وما يمتد بينهما من درجات رمادية متعددة على اختلاف ميولها وأذواقها.
وبالرغم من أنني أعشق التطور التكنولوجي، وتطبيقاته الحياتية المختلفة، وخاصة في مجال عملي الصحفي وتأثيره على تدفق المعلومات وحق المعرفة لمن يريدها، برغم الجوانب السلبية الشديدة الخطورة المصاحبة لمثل هذه الأنواع من التطور، فظهور هذا الكم الهائل من القنوات الموجهة التي لا نعرف أي شيء عن ملاكها وأهدافها الحقيقية التي أنشئت من أجلها، أمر في منتهي الخطورة، فلو اقتصر هدف القناة على الربح المادي فقط –رغم اعتراضي على ذلك– فإن الأمر يصبح هينا لا يمثل خطورة حقيقية على المجتمع وأفراده، إنما خطورة هذه القنوات المشبوهة فيما تبثه من مواد إعلامية هادمة للقيم والتقاليد والأخلاق والثوابت الدينية، وإثارة الغرائز والنزعات الفطرية، وزرع الميول العدوانية والعزلة النفسية والاجتماعية، وهو ما يسبب حالات الاكتئاب، ونشر الثقافة الغربية الغريبة علينا في السلوكيات والملابس، والتركيز على الجوانب الترفيهية بالدرجة الأولى على حساب الجوانب الفكرية والثقافية الأخرى، وهو ما أدى إلى إيجاد وسائل للمنحرفين فكريا وأخلاقيا وأصحاب الأفكار الهدامة والمتطرفة لبث أفكارهم بين الشعوب، بدون وجود اي رسالة إعلامية هادفة، أو أجندة مدروسة يمكنها التفاعل مع الواقع، ومواكبة المتغيرات على الساحة الفكرية في كافة المجالات، وهو ما لن يتم إلا بتحديد هوية المؤسسات الإعلامية أو الفضائية وأهدافها.
وبالرغم من كل هذه السلبيات إلا إن للفضائيات العربية ايجابيات بلا شك، خاصة القنوات الهادفة منها، والتي استطاعت كسر احتكار القنوات ووسائل الإعلام الحكومية في الوطن العربي، وأتاحت للمواطن العربي عددا غير محدود من الاختيارات بين المعلومات الحقيقية والآراء المتباينة، وهو ما أوقف احتكار وسائل الفضائيات الغربية في نقل المعلومة الصحيحة والرأي الآخر، وهو ما ظهر جليا حينما نجحت بعض الفضائيات العربية في تغطية حربي أفغانستان والعراق بشكل موضوعي، كما لم يكن من الممكن أن يتطور المناخ السياسي للمواطن العربي البسيط نحو وعي أعمق بالقضايا القومية، لولا بعض البرامج الفكرية الهادفة، التي زجت بالمواطن ليكون مشاركا للحدث بعد أن كان مجرد متفرجا على الأحداث.
ومابين السلبيات والإيجابيات التي يستطيع أي عاقل إن يميزها، يبقى الشباب والأطفال وأصحاب النفوس غير الناضجة الذين لا يستطيعون حسن الاختيار والتقدير، لذلك ستظل هذه الفئات في حاجة ماسة إلينا من حيث التوجيه والمتابعة والإرشاد، كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم:”كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته“.