الإنسان الفطن هو الذي يبادر بسؤال نفسه الأسئلة الصعبة، قبل أن يتلقاها من أحد غيره، فمثلا هل سألت نفسك مرة: هل أنت إنسان شرير؟ أعتقد أن هذا السؤال من أصعب الأسئلة التي يمكن أن يجيب عليها أحد بصراحة، حتى إذا كانت هذه الإجابة بينه وبين نفسه!
والحقيقة إنني عندما سألت نفسي هذا السؤال مرة، وجدتها تراوغ وتناور وتخلق المبررات لتبعد عن لب السؤال، إلا إنني عندما ضغطت بقوة وصممت على معرفة إجابة واضحة ومحددة، كانت الإجابة بصعوبة بالغة: بكل أسف نعم؛ هناك جوانب شر متعددة في نفسي.
وبدون الدخول في التفاصيل الدقيقة والخاصة التي جعلت منى إنسانا نصفه شرير، من وجهة نظري، فلابد أن نعترف جميعا – حتى لا أظلم نفسي وحدها- أن الله تعالى خلق الكائن البشري خيِّرا بالفطرة، إلا أنه مع الوقت اكتسب الشر من نفسه وممن حوله، فالطفل يولد خيرا، بريئا كما نطلق عليه، ومع مرور الوقت يبدأ في اكتساب العادات والصفات ممن يعيشون معه، وبالإضافة إلى طبيعة هوى نفسه تتشكل شخصيته، فيكتسب بعض صفات الشر، فيمتزج هذا الشر بالخير الموجود بداخله، وتتكون شخصيته من مزيج الخير والشر معا، وبقدر نسبة الخير إلى الشر داخل كل شخصية، يحكم الناس عليها، فإذا تغلبت نسبة الخير على الشر كان إنسانا خيرا، والعكس بالعكس، ويتدرج الوصف بتدرج النسبة بين ذلك.
فكلنا يعيش حياته في ثوبين، ثوب الشر نلبسه عندما نغضب ونحقد ونغتاب وتسيطر علينا شهواتنا الحيوانية، في حين نرتدي ثوب الخير في وقت الهدوء والسكينة، ومقاومة النفس وتذكيرها بعين الله الساهرة.
والإنسان الذي يريد ترجيح نسبة الخير في شخصيته، هو الذي يقاوم طلبات وشهوات نفسه، هو الذي يقودها نحو أهدافه هو، لا أن تقوده هي نحو أهدافها ، إلا أن مسألة شائكة تظل معلقة، وهى من يحدد أفعال الخير ويفصلها عن الشر، فإذا سألت إنسانا عن سبب تصرف شرير فعله، وأجمع الناس على أنه كذلك، ستجد لديه من المبررات ما جعل نفسه تصنف هذا التصرف على أنه فعل خير، والأمثلة على ذلك كثيرة، فتبرير نفس البخيل لعدم التصدق هو أنه لا يوجد مساكين، وقد صدقها، ونفس السارق تبرر السرقة لسد احتياجاته وتحقيق العدل والمساواة بينه وبين الأغنياء، وقد صدقها، ونفس الخائن تصور له الخيانة على أنها نوع من الاحتياج الروحي أو الجسدي، وقد صدقها.
في رأيي أن الرغبة في التقرب إلى الله، والتمسك بالتعاليم الدينية، هي النبراس لمعرفة الشعرة الفاصلة بين الخير والشر.