من أهم الأفكار التي تخطر ببالي عندما أتأمل العبادات التي فرضها الله علينا، هي فكرة الأخلاق التي يجب أن تكون ثمرة ممارسة هذه العبادات، فأنا كعبد ماذا أستفيد من كون عبد آخر يصلي لله أو يصوم أو حتى يحج؟ بالطبع لا أستفيد أي شيء من هذه العبادة، بل ربُ شخص لا يصلي ولا يصوم أفضل عندي في حسن معاشرته وسلوكياته معي، من شخص آخر يصلي كل فروض ربه في المسجد، ويخرج منه يغتابني ويبهتني وربما يسبني!
لذلك عندما استجاب الله لدعوة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، قال في سورة آل عمران: “لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة”. وقد قدم سبحانه وتعالى تزكية المؤمنين وإصلاح أخلاقهم على تعليمهم كتابهم وأصول دينهم، وهذا ما يفعله رسولنا الكريم صلوات الله عليه، إذ ظل يربي أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين على الخلق والفضيلة أكثر من ثلاثة عشر عاما، قبل أن يشرع في تعليمهم أمور دينهم.
وعندما نتأمل الأخلاق التي تنميها العبادات نجدها أخلاقا اجتماعية في المقام الأول، المقصود منها إحساس الناس من حولنا بقيمة ما وصلنا إليه من سمو في الأخلاق والمعاملات بسبب ممارستنا الصادقة والمخلصة لهذه العبادات، فالشعور بالمساواة بين الأغنياء والفقراء، عندما نقف صفا واحدا سواسية أمام الله نصلي، يزرع في نفوسنا التواضع وبشاشة الوجه ولطافة الخلق وحسن المعاملة، وهو ما يحبب فينا الناس، كما تعلمنا الزكاة الكرم وتقينا الشح والبخل، وهو ما يعود علينا بتطهير نفوس الناس من حولنا من الحقد والحسد على ما نملك.
والأخلاق التي ينميها فينا الصوم كثيرة، ومن أبرزها على الإطلاق الصبر، فالصبر على ما حلل الله في رمضان، يجعلنا من باب أولى نصبر على ما حرم، والصبر على الجوع والعطش بإرادتنا، لابد وأن يحرك أحاسيسنا نحو الشعور بالجوع الذي يعيشه بعض الفقراء بغير إرادتهم، ولأن الصوم مبني على تقوى الله، فإنه يعلمنا أن نتقي الله في الناس، فلا نغتابهم، ولا نبخسهم حقوقهم، ولا نستهزئ بهم، ولا نتعالى عليهم، فلو اتقينا الله في الناس، فإن الله سيجعل لنا من كل كرب مخرجا، وهو ما نصبو إليه جميعا.
إن رمضان لفرصة عظيمة لإحياء الأخلاق الاجتماعية الإسلامية، ليست الأخلاق المستمدة من عبادة الصوم فقط، ولكن كل الأخلاق المستمدة من العبادات كلها، فكثير من الناس الذين يستشعرون رمضان ويعظمون شعائره، تتغير أخلاقهم في رمضان، فيتحول بخلهم إلى كرم وجود، ويتحول غضبهم وعصبيتهم إلى حلم وتسامح، وكسلهم وانشغالهم بأمور الدنيا وجريهم وراء مصالحهم إلى صلاة وقيام وتهجد وقراءة قرآن، وهذا أمر محمود، ولكن غير المقبول أن نعود إلى ما كنا عليه بعد رمضان، وكأن رب رمضان ليس رب باقي الشهور.
إن علامة الهدى وقبول العمل، هي الثبات عليه وإن قل، ثبتنا الله وهدانا جميعا إلى طريق الهدى.