لم تنطفئ -كما يصور البعض- كل المصابيح في بلادنا العربية، فبعد أحداث سبتمبر تأثرت الكثير من القطاعات الاقتصادية في أمريكا وأوروبا سلبا بالحدث الهائل، وتأثرنا نحن بالتبعية بهذه الأحداث، وبدا شبح الكساد الاقتصادي يكشر عن أنيابه في وجهنا، وتراجعت معدلات النمو في مختلف القطاعات، وزادت البطالة وتوقفت بعض المشروعات السياحية.
ولكن سرعان ما بدأت الأمور في الانحسار، وبدت زوايا الصورة تتكشف وانجلى المثل القائل مصائب قوم عند قوم فوائد، فما لبث أن بدأ الانتعاش يدب في قطاع السياحة العربية من جديد، وبالمرافق والخدمات التابعة له وبدأ ضوء المصابيح يبزغ من جديد!!
كثير من المؤشرات تراهن على أن هذا الصيف سيكون للسياحة العربية، فالسائح العربي سيتجه هذا العام إلى القاهرة والإسكندرية وبيروت ودمشق وتونس والدار البيضاء، بدلا من لندن وباريس ونيويورك وذلك لتفادي العنصرية وتعقيدات ومشاكل التأشيرات وإجراءات التفتيش التعسفية في المطارات الغربية للسائح العربي، ناهيك عن الاستجوابات والإجراءات الأمنية الأخرى.
أيضا هناك مقولة تبدو ساذجة، إلا انها قد تكون ذات قيمة يمكن إن أحسن استغلالها أن تكون ذو مردود إيجابي على قطاع السياحة والطيران العربي، يقول البعض أن السياح الأجانب يسافرون الآن على الطيران العربي أكثر من الطيران الغربي، ويفضلون السفر على الخطوط العربية للاحتماء بها، وتفادي احتمال وقوع أي حوادث على متنها، قد تتفق على التحليلات والاستنتاجات النظرية أو تختلف لكن تبقى هذه التحليلات نظريات قائمة بل ومنطقية.
ولكن يبقى السؤال الذي دائما يطرح نفسه في الأفق، ويعيد نفسه من جديد كلما ناقشنا القضية، هذا السؤال هو: هل أعددنا الخطط المناسبة للاستفادة من هذه المؤشرات على أكمل وجه، وتوظيفها لتطوير صناعة السياحة العربية وتحويل المؤشرات السلبية إلى نتائج إيجابية ملموسة تساهم في دعم الاقتصاد، وإنعاش القطاع السياحي الخاص، وحل كثير من المشاكل وأهمها شيخ الإفلاس الذي يهدد شركات كثيرة في قطاعات السياحة وشركات الخدمات المرتبطة بها، والبطالة بين الشباب؟!
اعتقد أنه من المهم جداً لاستغلال هذه الفرصة السانحة أن يبدأ القائمون على السياحة العربية بخلق ثقافة سياحية جديدة لدى الأفراد والمؤسسات والدولة ككل، فالتنمية السياحية وتشجيع السياحة لا يندرج فقط تحت إنشاء فندق وتشييد منتجع وإقامة معرض وندوة ودعوة الوفود الإعلامية، وإنما يندرج قبلها بث هذه الثقافة الإيجابية، بدءً من استقبال وتوديع السائح العربي في المطارات ومنافذ الدخول بابتسامة رحبة، وتسهيل إجراءات الدخول والخروج والإجراءات الجمركية وتيسير عمليات التنقل بين أماكن الزيارات بشكل حضاري، ومحارية المرتزقة والمحترفين في استغلال السائح واستنزافه وتشويه صورتنا السياحية.
الفرص لا تأتي إلا مرة واحدة، ورب ضارة قد تكون نافعة، فإذا لم نغير سلوكياتنا تجاه السائح الغربي، ونستغل ما منت علينا الأقدار به، ستكون كل المصابيح قد انطفأت بالفعل.
دعوة للتأمل
قال تعالى في سورة الرعد: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، الآية 11.