الكلام عن السحر وقصصه يبدو مسلياً لكثير من الناس، زاد احساسي بهذا المعنى عندما انهالت على الأفق عشرات الرسائل والمكالمات تعقيباً على ما نشرناه في العقد الماضي عن السحر والمس الشيطاني، وعجيب الأمر أن سيافنا للموضوع كان يهدف إلى ترسيخ دور الخرافة والدجل حتى يتجنب هؤلاء الذين يعيشون في أحلام الشعوذة الوقوع في شباك المشعوذين، إلا أن ما حدث من البعض كان العكس تماماً، مكالمات القراء أشعرتني بأن من كان لا يفكر في السحر انتبه إلى التفكير فيه ومعرفة أسراره وجديد حكاياته! ومع أن الكثير من الناس يعلمون أن بعض أعمال السحر هي نقيض للحقيقة، إلا أن هؤلاء يعتقدون فيه أكثر من الحقيقة نفسها، فتجدهم يلجأون الى الساحر والعراف لحل مشكلات عجزوا عن فهمها، أو لتذليل مشكلة زواج، أو مشكلة طلاق، أو تدبير مكيدة لشخص ما.
كذلك يلجأ بعض الساسة إلى هذه الممارسات فيستخدمون نوعاً لطيفاً من السحر السياسي لتغييب عقول الناخبين قبل وأثناء وبعد عمليات الانتخابات!!
ولعل أخطر ما في ممارسة السحر هو اغتيال العقل الذي خص به الخالق سبحانه وتعالى الناس، فيعطل سنن الله في خلقه وبالتالي تتعطل حكمة الخالق في الاستفادة من العقل سواء في العبادة أو إعمار الأرض.
والعجب العجاب أن يركز دستورنا القرآني على سنن الله في بناء الفكر الاستدلالي في أمور حياتنا، حتى أنه نهى عن تعلم السحر وممارسته، ووصف الجن الذين علموا الناس السحر بأنهم كافرين، بل ونهى الناس عن سؤال الكهان والعرافين، ووصف من يفعل ذلك بأنه كفر بما أنزل على محمد (صلى الله عليه وسلم) ومع ذلك نجد ان امتنا نفسها هي أكثر الأمم اعتقاداً بالسحر وايمانا بالخرافات، وممارسة للعادات والطقوس المشبوهة!
ولعل من أهم أسباب تخلف الأمة هو عدم اعتمادها على العلم، على الرغم من أن الفرق ليس كبيراً بين نتائج العلم والسحر فالاثنان يمكنهما تحقيق معظم الأهداف، السحر باغتياله للعقل والعلم بتطبيقه للنظريات، ولكن العلم يتميز بالقدرة البشرية على السيطرة عليه، وتعلمه وتسخيره وتنميته والاستفادة الجماعية الأبدية منه على عكس السحر..
وحتى نكون منصفين لأنفسنا، فإن امتنا ليست الأمة الوحيدة التي تمارس السحر والدجل فهناك أمم أخرى وراء البحار أخذت بخيار العلم في منهجها، نرى انها تستعين بالسحر والسحرة لرسم سياسات واتخاذ قرارات، ويكون ذلك من أعلى مستويات حكامها وساستها، وإذا ما عبرنا الأطلسي تجد ما هو أخطر من هذا، نوعا أشد من السحر العادي، وهو ما يسمونه بالسحر الأسودة، السحر السياسي العالمي، سحر الأمم المتحدة، فنجد هبل الأعظم ومن حوله الأوثان الأربعة الأخرى الشهيرة والتي تغتال العقل العربي وغير العربي في كل مصالحه وقضاياه، مستخدمة في ذلك أحجبة صغيرة قوية المفعول اسموها فيتو، يعطلون بها إرساء المبادئ والقيم والقوانين في العالم، طالما لا تخدم مصالحهم، ويمررون ما يناسب هواهم حتى وان كان الفساد بعينه، وكما الحاوي يخرج الأرنب من قبعته فيصفق له الحاضرون ونصفق له نحن ايضاً، فلا يعرف المشاهد إن كان هم المجانين أم نحن؟
دعوة للتأمل
بقول محمد إقبال الفيلسوف المسلم: العقل الاستدلالي المنهجي أمر مكتسب لا يولد معنا متى ولدنا، ولكننا نشكله وتطوره نحن بثقافتنا..