شهدت الشاشات الفضائية المصرية ظهوراً ملفتاً لمجموعة من المحللين الذين أشادوا بخطاب الرئيس مبارك مؤخرا، واعتبروا إعلانه عن إصلاحات جديدة خطوة عظيمة، لكن الحقيقة أكثر تعقيداً من ذلك؛ فما يراه البعض إصلاحاً هو في الواقع تضليل واضح، لا سيما عندما يأتي من محللين مدفوعين من قبل النظام نفسه، وهو تضليل يضاف إلى سجلهم الحافل السابق.
فمبارك لم يصرح بشكل قاطع بأنه لن يترشح للانتخابات القادمة، بل اكتفى بالقول إنه لم يكن ينوي الترشح، وهذا فرق جوهري، فالتصريح بعدم النية يختلف تماماً عن الإعلان الرسمي بعدم الترشح، مما يفتح الباب للاحتمالات والتأويلات، وهذا ليس غريباً، فقد اعتدنا على مثل هذه التصريحات المزدوجة من النظام، إن فكرة بقاءه في السلطة رغم إعلان عدم نيته في الترشح تتجلى في حملات الدعم والدعاية التي أطلقها رجال الأعمال الفاسدون، الذين يديرون في نفس الوقت حملات ضد المتظاهرين.
أما بخصوص تعديل المادتين 76 و77 من الدستور، فقد أوضح مبارك في خطابه أن التعديلات ستجرى بطريقة لم أفهمها، فمن سيتولى هذه التعديلات؟ وكيف ستتم؟ هل سيكون هناك تغيير حقيقي يسمح بترشيح مستقلين بسهولة؟ أم أن الأمر مجرد محاولة للتهدئة والتضليل؟ فالتعديلات الدستورية بدون شفافية وضمانات واضحة تظل مجرد لعبة سياسية.
ثم نأتي إلى التناقضات بشأن الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فبعدما أكد مبارك مرارا وتكرارا نزاهة الانتخابات وقوة الحزب الوطني في إدارتها والفوز بها، عاد ليعترف الآن بمشكلات قانونية وقرارات قضائية ببطلان بعض الدوائر، ويبقى السؤال المهم هنا: ما هي الضمانات التي ستجعل الانتخابات القادمة نزيهة؟ هل مجرد منح الأحزاب المعارضة بعض المقاعد يجعل الانتخابات حرة؟ بالتأكيد لا.
أما تصريح مبارك العاطفي عن رغبته في الموت والدفن في مصر، فهو بعيد كل البعد عن مسألة التنحي، إذ أن النقاش يدور حول مستقبل البلاد وليس حول مكان دفن رئيس البلاد، الشعب المصري لم ولن يمنع أحداً من الدفن في أرض الوطن، ولكن مطالبته بالتنحي تأتي من رغبة في التغيير والإصلاح الحقيقي.
الحقيقة أننا لا يمكن اعتبار مسألة استقالة مبارك إهانة له، بل قد لا أبالغ إذ اعتبرتها احترام لإرادة الشعب، إن الإهانة الحقيقية تكمن في التمسك بالسلطة رغم الرفض الشعبي، فالشعوب لها الحق في اختيار قادتها، وهذا ما يجب أن يحدث في مصر، تماماً كما يحدث في كل بلدان العالم الحر.