الإدارة علم وفن وخبرات متراكمة، فلا يكفي أن تقتني واحدة لتكون مديرا ناجحا، ولكن لابد أن يكون لديك المَلكة والقدرة والقوة والجرأة والسرعة، لكي تنجح في اتخاذ قرار ما في لحظة معينة.
أقول ذلك، وأنا أرى – كما يرى معي الكثيرون – كيف تُحكم دولة كبيرة جذورها تضرب في أعماق تاريخ البشرية بحجم مصر، وكيف تتخذ فيها القرارات المصيرية، وكيف تدار فيها الأزمات.
فمنذ تنحي الرئيس السابق عن الحكم، وتسليمه السلطة لقادة المجلس العسكري، منذ ما يقرب من تسعة أشهر، وأنا أشعر أن مجموعة من الهواة هم من يتحكمون في مصير أكثر من 80 مليون مواطن، وهم من يرسمون سياسات بلادهم، فلا أشعر أبدا أن من بين هؤلاء الذين يديرون شؤون هذه البلاد رجل رشيد، يفكر بطريقة علمية في المشكلات التي تواجهنا، ويعمل جاهدا من أجل مصلحة مصر فقط على حلها.
ودائما ما أسأل نفسي بعد كل كارثة تحل بنا: هل جلس المجلس العسكري ومستشاروه ومجلس الوزراء بعد توليهم الحكم في البلاد وناقشوا كيفية حكم مصر خلال هذه المرحلة شديدة الدقة؟ هل بحثوا في كيفية مواجهة المشكلات والأزمات التي يجب عليهم التعامل معها وحلها بخطة متكاملة، وليس بشكل قطاعي كما يفعلون الآن؟ هل وضعوا تصورا مستقبليا، ولو لستة أشهر فقط، عن أحوال مصر وتوقعاتهم لما سيحدث، من خلال استقراءاتهم للأحداث، واتخاذهم التدابير اللازمة والملائمة للتعامل مع هذا الاستقراء بطريقة الفعل وليس رد الفعل كما يفعل الهواة؟ هل استعانوا بأهل الرأي والفكر والخبرات لوضع خطط متكاملة لحل الأزمات الطاحنة التي يعاني منها الاقتصاد المصري جراء سياساتهم الهشة، وما نتج عنها من انفلات أمني وسياسي واجتماعي وأخلاقي، وعدم قدرتهم على احتواء أي من هذه الانفلاتات، واحتواء المطالب الفئوية التي أنهكت الاقتصاد المصري ونهشت جسده الهزيل؟
وكثيرا ما ينتابني التساؤل التالي: من المسؤول عن الحالة المتردية التي تعيشها مصر الآن من انفلاتات وفوضى عارمة، أدت إلى انكسار هيبة الدولة على كافة المستويات؟
وبصراحة لا يخطر على بالي سوى خيارين لا ثالث لهما:
1) المجلس العسكري بريء مما يحدث تماما، ولا يعلم عنها شيئا، كل ما في الأمر أنه “لايص” بين القوى السياسية والأحزاب والحركات، يضع كل الاعتبارات نصب عينيه قبل اتخاذ القرارات لإرضاء جميع الأطراف، فجاءت قراراته مهزوزة وغير حاسمة، حتى أصبح يلهث وراء الحلول الجزئية لمعالجة ما يفور ويطفو على سطح المجتمع من مشكلات، بدلا من الحلول الجذرية التي تصلح حال البلاد ككل، وإن تأخرت قليلا، وإن لم ترض الجميع، رغم علمه بكم الغليان الذي يئن منه باطن هذا المجتمع ومواطنوه، وكانت النتيجة أن أصبح لا حول ولا قوة له، وغضب الكل عليه بل وتكاتفوا ضده، وباتت شعارات التنديد بالمجلس العسكري ورموزه على مرأى ومسمع من الجميع، في التظاهرات والاعتصامات، وعلى كل جدران، بعد أن كان الجميع يتغنى بحياة نفس هذا المجلس ورموزه وقت أن وقف بجوار الشرعية الثورية ضد النظام البائد.
2) هذه الفوضى تحدث بعلم ومباركة من المجلس العسكري ومجلس الوزراء، لإفشال الثورة، وفق خطة موضوعة لتحقيق أهداف معينة، تظهر بعضها بين الحين والآخر، وتجلت إحداها في الملصقات مجهولة المصدر، والتي تروج لترشيح المشير للرئاسة.
إذا كان الخيار الأول هو الصواب، فهذه مصيبة، وإذا كان الخيار الثاني هو الصواب فالمصيبة أكبر وأشد، وفي كلتا الحالتين يجب نقل السلطة فورا لمجلس مدني مكون من رجال ثقات يمثلون كافة شرائح المجتمع وطوائفه، يبدأون من جديد في وضع خريطة طريق، تليق بمستقبل مصر، وطموح وآمال أبنائها المتطلعين لمستقبل أفضل.