مع اندلاع ثورة 2011 وتنحي الرئيس حسني مبارك، شهدت مصر تحولات جذرية في المشهد السياسي والاجتماعي. ووسط هذه الأحداث، برزت ظاهرة جديدة قديمة، وهي ظهور بعض الصحفيين والإعلاميين الذين كانوا يعمدون إلى لعق حذاء السلطة، متحولين إلى أبطال مزعومين بعد سقوط النظام. هؤلاء الذين كانوا يتفننون في تمجيد النظام القائم، وسرعان ما انقلبوا عليه بعد الإطاحة به، ليهتفوا بأعلى أصواتهم ” انتصرنا.. انتصرنا”، معلنين عن رغبتهم في “تنظيف مصر” من بقايا النظام الفاسد!!
هذا الصحفي أو الإعلامي لم يكن مجرد فرد، بل كان جزءاً من كتيبة كبيرة من المنافقين المحترفين، أو بالأحرى من كتيبة “جنود فرعون” الذين استخدمهم النظام السابق لأداء دور محدد: تشويه الإدراك العام وتلميع صورة النظام، هؤلاء الإعلاميون كانوا يمثلون جزءاً من آلة إعلامية ضخمة، تعمل ليل نهار على صناعة صورة زائفة للواقع، وتسويق أكاذيب السلطة كحقائق، لقد كانوا جنوداً متفرغين لخدمة الفرعون، جنوداً يؤدون وظيفتهم باحترافية عالية.
في كل نظام شمولي، نجد مثل هؤلاء الجنود؛ أشخاص يمتهنون النفاق كوسيلة لكسب العيش، ويقدمون ولاءهم للنظام دون تحفظات، هؤلاء المثقفون المزيفون الذين باعوا أنفسهم للسلطان، لم يتورعوا عن استغلال أقلامهم وأصواتهم في خدمة مصالحه، مهما كانت هذه المصالح تتعارض مع قيم الحرية والعدالة.
لقد رأينا كيف تنافس هؤلاء على التقرب من السلطة، وكيف استغلوا كل فرصة لتلميع صورتها، والتقليل من شأن أي معارضة أو حركة احتجاجية، ولكن، مع انهيار النظام، انكشف زيفهم أمام الجميع. ورغم محاولاتهم لإعادة صياغة دورهم وتقديم أنفسهم كأبطال للثورة، إلا أن التاريخ لا ينسى، وذاكرة الشعب ستظل حية.
إن أخطر ما في هذه الظاهرة ليس فقط الانتهازية الفجة، بل أيضاً تأثيرها العميق والمستمر على وعي الناس، لقد ساهم هؤلاء في تشويه سمعة الإعلام المصري، وأضروا بمصداقيته، كما أن دورهم في تضليل الجمهور وتوجيه الرأي العام بما يخدم مصالح النظام السابق، كان له أثر كبير في إطالة أمد النظام وتأخير الإصلاحات الضرورية.
يجب على الثورة ومن ورائها الثوار التخلص من هؤلاء الإعلاميون المرتزقة، وإعادة بناء إعلام حر ونزيه، يصدع بالحق وينشره ولا يخاف فيه لومة لائم، يقف دائماً في صف الشعب ويدافع عن حقوقه، وعلينا نحن أن نميز بين الإعلاميين الحقيقيين الذين يقفون بجانب الحق، وبين هؤلاء الذين يجعلون من أنفسهم أدوات لخدمة السلطة، مهما كانت تبعات ذلك على المجتمع. فالإعلام ليس مجرد مهنة، بل هو مسؤولية ورسالة وأمانة يجب أن تُؤدى بصدق وشرف.