مقالات سياسية

ثوار التصحيح يزأرون: للخلف در

هل ما يحدث في ميدان التحرير كارثة للثورة المصرية، ونكسة للتحول الديمقراطي في مصر، كما يزعم البعض ويروج؟! أنا شخصيا أشعر بعكس ذلك تماما، أشعر أن ما يحدث في ميدان التحرير – وفي قلب الميدان بصفة خاصة – ما هو إلا تصحيح لكل ما كان يجب أن يتغير بعد ثورة 25 يناير المجيدة، ولكنه للأسف لم يتغير، حتى أن المرحلة التي كنا نأمل أن تنتقل بنا الى كيان ديمقراطي، تحولت من مرحلة انتقالية إلى مرحلة انتقامية، نعم فكل من تضرر من ثورة الشباب على الفساد – وهم كثر – ظل يكيد ويخطط بكل حرية، لينتقم من الثورة وثوارها، وكل من أيدها ووقف بجانبها، وبكل أسف حدث ذلك – إذا فرضنا حسن النية – تحت مرأى ومسمع من المجلس العسكري، وقلة حيلة وسلبية متناهية من مجلس الوزراء.

ماذا فعل المجلس العسكري لتحقيق أهداف الثورة وإنجاحها؟ وهل استطاع مجلس وزراء تسيير الأعمال في تسيير أمور البلاد والعباد؟ وهل وضعوا مصر على الطريق الصحيح للتحول الديمقراطي، الحقيقة إن أيا من المجلسين لم يفعل أي شيء على الإطلاق مما ذكرته، ولا حتى مالا أذكره.

لم أشعر أنا – أو أى مواطن مثلي – بأي تغيير يذكر، ولم يتحقق أي هدف من أهداف الثورة، حتى ما تحقق من انجازات وهمية، بداية من تقديم مبارك ونجلاه وبعض وزراؤه إلى محاكمات هزلية، حاكموه فيها على فيلتين هدية من صديقه حسين سالم، وتربحه عدة ملايين من أموال الشعب، فيما لم يسأله أحدا عن مسؤوليته في إفساد الحياة السياسية خلال سنوات حكمه، سواء هو أو أبناؤه أو رجاله وحاشيته، ولم يسأله أحدا من أعطي الأوامر لقتل ثوار التحرير، وبدلا من ذلك بذلوا أقصي جهودهم لعلاج مبارك وتأمينه خلال أيام محاكمته، مرورا بحل جهاز أمن الدولة، وحل الحزب الوطني الفاسد، نهاية بإصدار قانون إفساد الحياة السياسية المتأخر جدا، كل هذا ما كان ليحدث لولا الضغوط الهائلة التي مورست على جميع الأصعدة من القوى الشعبية الثورية والحركات السياسية، بل أن العكس هو الصحيح تماما، فالوضع منذ تولي المجلس العسكري الحكم في مصر منذ عشرة أشهر تقريبا من سيء لأسوأ، ووضعنا– بمصطلحهم العسكري – محلك سر، أو قل بالأحرى للخلف در!!

لقد فشلوا في إدارة كل ملفات الأزمات التي مرت بمصر خلال الفترة الماضية، تعاملوا معها من منطق رد الفعل، ولم يأخذوا بزمام المبادرة مرة واحدة، وملفات الفتن الطائفية كان خيرا شاهدا على هذا الفشل، حتى كاد شبح هذه الفتن يعصف بأمن مصر الداخلي، من خلال أحداث قرية صول، وأحداث قرية أطفيح، وقرية برنابا، وأحداث ماسبيرو الشهيرة وغيرها، وفي كل مرة لم يقدم الجاني لمحاكمة عادلة تشفي غليل الأسر المكلومة في هذه الحوادث، ولا غليل الشغب المصري كله!!

فشلوا في إعادة الأمن للشارع المصري، حتى أصبح يقينا للعيان أن ما يحدث يتم بإرادة جهات معينة، هذه الجهات لديها أجندات خاصة، تدبر الأمر للوصول لأهداف معينة، انكشفت مع الوقت للجميع، حتى أنك لو سألت أي مواطن عن قضية الانفلات الأمني لقدم لك عدة حلول، أقلها يقضي على المشكلة!!

فشلوا في التعامل مع ملفات المطالب الفئوية التي أنهكت اقتصاد الدولة بسبب سوء إدارتهم لها، وأطاحت بهيبة نظامهم، وبدلا من التعامل مع هذه المطالب بشكل علمي مجمع يحقق العادلة للجميع، من خلال إصدار قانون جديد للوظيفة يحقق العدالة للجميع، ويطبق من خلال برنامج زمني محدد يتم الاتفاق عليه، وجدناهم يتجاهلون مطالبهم في البداية، ثم ما يلبثوا أن يخضعوا لها بعد أن تفلت الأمور من بين أيديهم!!

حتى أنهم فشلوا في السيطرة على مجموعات روابط مشجعي الأندية للكرة، عندما أحدثوا الشغب في المباريات، ضربوا رجال الأمن، أتلفوا المنشآت الرياضية العامة، وأحرقوا ممتلكات المواطنين الخاصة، وأفسدوا المباريات، وفي كل مرة يتم القبض على بعض مثيري الشغب، ثم يخلى سبيلهم لعدم ثبوت الأدلة عليهم، وكأن من يفعل كل ذلك مجرد خيالات، وفي النهاية تحدوهم بإطلاق “الشماريخ” أثناء المباريات، ولم يستطع أحدًا وضع حدا لهذه المهازل.

وحتي لا يتهمني البعض بالتحامل على المجلس، وذكر مساوئه فقط، فلابد أن أذكر هنا أنهم نجحوا في أمور غاية في الأهمية، أهمها إلغاء التوقيت الصيفي، وزيادة أرقام الهواتف المحمولة رقما، كما يجب ألا ننسى أنهم غيروا معظم ترددات القنوات الفضائية، كل ذلك في عشرة أشهر فقط.

كل ذلك وغيره الكثير، هو ما أدخل ثورة مصر النفق المظلم، وهو ما أخرج الشباب مرة أخرى للميدان ليبحثوا عن ثورتهم ويحموها، وكل ذلك كان يمكن أن ينتهي برضوخ المجلس لمطالب الثوار، لكن ما أشبه اليوم بالبارحة، فالمجلس يسير على خطى المخلوع تماما، حتى أنه يأبي أن يتعلم من أخطاؤه.

يجب أن يسعد كل مصري ومحب لهذا البلد مما يحدث الآن في ميدان التحرير، اعتقد إن الثوار يقومون الآن بتصحيح الثورة، ويبعثون رسالة للمجلس العسكري يقولون له فيها: للخلف در..

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Most Voted
Newest Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x