مقالات سياسية

ثمن الحرية.. والاستثمار في المستقبل

مع دخول ثورة 2011 مرحلة من مراحلها الحاسمة، وتنحى الرئيس حسني مبارك وسقوط نظامه، شهدت مصر تغيرات هائلة صادمة على عدة أصعدة، كنتاج طبيعي لقيام ثورة على النظام، ومع ذلك، لم يكن هذا التحول خالياً من الانتقادات والتشكيك، بعض الأصوات التي يمكن وصفها بالمدعين أو المنتفعين أو المرتزقة، اتخذت موقفاً مضاداً للثورة، معتبرة أنها لم تجلب سوى الخراب الاقتصادي، يتحدث هؤلاء عن تراجع عائدات السياحة وانخفاض دخل قناة السويس وخروج الاستثمارات الأجنبية، وبالتالي تأثر الاقتصاد بشكل كبير واتجاهه نحو الانهيار.

في رأيي الشخصي، أن هذه الآراء الخاصة نظر العديد من المحللين والمراقبين، تفتقر إلى الفهم العميق لماهية الثورة وأهدافها، ذلك إذا أحسنت الظن فيهم، ولم أتهمهم بالمدعين أو المنتفعين أو المرتزقة.

أولاً، ينبغي علينا أن ندرك أن أي ثورة تحمل في طياتها تكلفة اقتصادية، هذه التكلفة ليست سوى جزء من الثمن الطبيعي لتحقيق مكاسب أكبر، إسقاط النظام الاستبدادي الذي حكم مصر لعقود كان هدفاً رئيسياً للثورة، وهذا الهدف يستحق أي تضحيات قد تلحق به على المدى القصير، فالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية لا تُقدر بثمن، صحيح أن الجانب الاقتصاد قد يكون أحد الجوانب التي تتأثر، ولكنه ليس الأهم.

ثانياً، يجب أن نتعامل مع الثورة كاستثمار للمستقبل، الثورات لا تجني ثمارها فوراً، بل هي عملية طويلة الأمد تهدف إلى بناء نظام سياسي واقتصادي واجتماعي أكثر عدلاً واستقراراً، بناء مؤسسات قوية ومحاربة الفساد وإقامة دولة القانون والمؤسسات هي الأساس لأي نهضة اقتصادية حقيقية، لذلك، فإن ما نراه من تراجع اقتصادي في الوقت الحالي هو مجرد انعكاس لفترة انتقالية تحتاج إلى بعض وقت لتتحقق فيها أهداف الثورة.

ثالثاً، القضاء على الفساد هو أحد أهم العوامل التي يمكن أن تساهم في بدء عجلة التنمية وازدهار الاقتصاد، فالفساد كان وما زال عائقاً رئيسياً أمام تحقيق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، الأموال التي تُهدر بسبب الفساد كان من الممكن استخدامها في تحسين الخدمات العامة وتطوير البنية التحتية ودعم الاقتصاد الوطني، فالثورة بكل ما حملته من تضحيات كبيرة وتحديات هائلة، كانت خطوة حاسمة نحو محاربة هذا الفساد وتحقيق العدالة.

إن محاولة تحميل الثورة مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي هو تبسيط مخل للأمور وتجاهل للتعقيدات الحقيقية التي تواجه البلاد، التحديات الاقتصادية التي تمر بها مصر الآن هي نتيجة لسنوات طويلة من السياسات الفاشلة والإدارة السيئة، وليس نتيجة للثورة نفسها، الثورة كانت ضرورة تاريخية لإنقاذ البلاد من مستنقع الفساد والاستبداد.

لذا، يجب أن نكون أكثر وعياً بتحديات المرحلة الانتقالية ونظل متمسكين بأهداف الثورة ومبادئها، وإعادة البناء على الأسس التي وضعتها الثورة، ويبقى تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية هما الضمان لتحقيق نهضة حقيقية، مصر تحتاج الآن إلى إصلاحات جذرية وشاملة، وليس إلى العودة إلى الماضي أو تحميل الثورة ما لا تتحمل.

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Most Voted
Newest Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x