في لقاء جمعني مع الدكتور يسري الجمل وزير التربية والتعليم، والسفير المصري عبد العزيز داود، دار حوار حول مشروع الكادر الجديد للمعلمين، ونسبة زيادة الرواتب التي ستصل إلى 50% من الراتب الأساسي، وعدد آخر من المزايا التي يحويها الكادر الجديد، إلا أن أهم ما شغلني وقتها وبادرت الوزير بسؤال عنه، هو: إذا كنا جميعا نسعى لتعديل رواتب المعلمين والنهوض بمستواهم المادي، بوصفهم العامل الأساسي لتطوير وتجويد العملية التعليمية، ولكن في المقابل ما هي الضمانات التي اتخذت لوقف جشع بعض المدرسين وقلة ضميرهم في تعاملهم مع التلاميذ وأولياء الأمور من خلال ما يسمي بالدروس الخصوصية؟
وبعيدا عن جواب الوزير، انتقل وأوجه هذا السؤال لمدير المدرسة ومجلس إدارتها، فقد قال السفير داود أن إدارة المدرسة بصدد دراسة مشروع لزيادة مصروفات المدرسة لتوفير موارد لتحسين أوضاع المدرسين.
من حيث المبدأ لا أحد ينكر أن راتب المدرس الذي يتقاضاه من المدرسة المصرية لا يناسب وضعه الاجتماعي والمعيشي الذي يجب أن يكون عليه، ولكن ماذا عن المدرسين الذين يحصلون على عشرات أضعاف مرتبهم – ولا أريد أن أقول مئات – من الدروس الخصوصية، والتي تستنزف رواتب ومدخرات أولياء الأمور.
إذا كان هناك نية لا إصدار قرار بزيادة رواتب المدرسين، فلابد من تضمينه بقرارات أخرى تضمن بالقوة الرادعة وقف ظاهرة الدروس الخصوصية المتفشية بشكل كبير بين المدرسين في معظم المواد المقررة.
لابد من دراسة مشروع متكامل يراعى مجموعة من الإجراءات والقوانين، تلزم المدرس بأداء مهامه بإخلاص وتفان داخل الفصل الدراسي، وشرح الدروس المقررة بما يرضى ضميره ويرضى الله، بعيدا عن التصرفات والسلوكيات المعروفة والتي تهدف لخروج التلميذ من الحصة لا يعرف عن الدرس شيئا، وبالتالي يضطر لتلقى درس خصوصي لحل المشكلة، بالإضافة لتحايل المدرس وممارسته بالضغوط المباشرة والغير مباشرة في تعامله مع التلميذ لتشوقيه أو إرهابه وإجباره الى اللجوء للدرس الخصوصي، ناهيك عن عدم اكتراث بعض المدرسين بحجم الأمانة الملقاة على عاتقهم، والتي سيسألهم عنها الله، من تضيع وقت الحصة في الكلام عن بطولاته ومواقفه، أو عدم المبالاة بتدريس كامل المقرر و”تطنيش” بعض دروسه، أو “التلكك” للتلاميذ وعدم شرح الدرس بسبب تصرف تلميذ لم يعجبه داخل الفصل، وغير ذلك من التصرفات الأخرى لبعض المدرسين الذين ماتت ضمائرهم.
لابد من وضع قواعد صارمة يتعهد فيها المدرس بعدم تدريس المنهج الدراسي لتلاميذ المدرسة خارج المدرسة، ويتم إعلامه بعواقب الإخلال بهذا التعهد، وعدم التهاون مطلقا في تطبيق هذه القواعد عليه من خلال لجنة تحقيق ومتابعة مستقلة، يتم تشكيلها من عدد من الشخصيات التربوية والقانونية والإدارية.
يجب أيضا وضع ضوابط لإيصال هذه الزيادات إلى مستحقيها، وذلك بوضع عوامل الخبرة والدرجة العلمية ومدة التعاقد ونوع العمل وغيره من العوامل القياسية التى يتم التعامل بها في مثل هذه الدراسات، كما يجب مراعاة بعض المدرسين الذين لا يتاجرون بالدروس الخصوصية، أو المدرسات اللاتي يرفضن ذلك، وذلك بمنحهم مكافأة خاصة تحت بند “بدل طبيعة عمل” مثلا.
كما يجب دراسة وتوفير بدائل جديدة ومناسبة، لمساعدة التلاميذ الذين يحتاجون فعليا لمساعدات تعليمية خارج نطاق الفصل، بطريقة مناسبة وسعر غير مبالغ فيه، وكذلك لتحسين النواحي المادية للمدرسين، على أن يتم ذلك تحت الإشراف المباشر للمدرسة لضمان حسن سير العملية، وبشكل غير تجاري، وللاستفادة المادية منها أيضا، ويمكن تحقيق ذلك بتطوير شكل مجموعات التقوية المعمول بها الآن، أو بأي شكل آخر مناسب.
أن تطوير مستوي المعلمين المادي يجب إلا يكون هدفنا المنشود، يجب أن ينظر مجلس الإدارة للموضوع بنظرة أكثر شمولية من ذلك، يجب أن يناقش مجلس الإدارة تطوير وتجويد العملية التعليمية كلل، ويكون على رأسها النهوض بالمعلم مهنيا وتحسين مستواه المعيشي، بالإضافة الى باقي العوامل الأخرىٍ التي لا تقل أهمية عن ذلك، ومنها اختيار المدرسين الأكفاء، وتقييم حالة المدرسين سنويا بعدة تقارير داخلية وخارجية، وإقصاء من لا يجتاز هذا التقييم فورا، وبدون هوادة أو شفقة أو وساطة أو غيرها، لان مثل هذا النوع من المدرسين يدمر مستقبل أبنائنا من خلال الإخلال بالعملية التعليمية، أيضا متابعة سير العملية التعليمية ومراقبتها وتقيمها، من خلال الأساتذة المتخصصون ولجان خارجية متعددة، وإصلاح أي خلل أو اعوجاج بشكل مباشر وفوري، وتوفير كل المتطلبات المساعدة الأخرى من مبان وأثاثات ومعامل وأدوات، لتوفير الجو المناخي الصحي المناسب لحسن سير العملية التعليمية.
أعتقد أن مخاطبة وزارة التربية والتعليم المصرية للاستفادة من برامج تطوير التعليم وتجويده، والتي انتهى منها عددا كبيرا من الخبراء والجهات المعنية، سيكون أمرا مفيدا للغاية للاستنارة به مثل هذا العمل.
أن مناقشة مثل هذه الاستراتيجيات التعليمية، هي من أهم أساسيات عمل مجلس الإدارة، والتي يجب أن تأخذ الجانب الأكبر من حيز تفكيره، بدلا من إضاعة جزء من وقت المجلس في صغائر بعض الأمور التي لا تتناسب مع مكانة وقيمة أعضاء المجلس الموقرين.