في خضم التحولات السياسية والبحث عن مسار مستدام للديمقراطية، يثار جدل واسع هذه الأيام حول ضرورة تبني بروتوكول توافقي لتحديد ملامح الدستور المقبل، وآلية اختيار اللجنة التأسيسية المسؤولة عن صياغته، السؤال المهم الذي يفرض نفسه: هل نستطيع فعليا التوافق على هذا البروتوكول؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، فما هي الآليات التي تكفل تحقيق التوافق والشمولية؟
في السياق الدستوري والقانوني، تعد الانتخابات السبيل الشرعي لاختيار الأفراد المخولين بصياغة الوثائق القانونية التي تحكم حياة الشعب، ووفق هذا المبدأ، فإن انتخاب جمعية تأسيسية لصياغة الدستور يعكس إرادة الشعب ويمثل حرية كاملة لهذه الجمعية في تحديد قواعد عملها بعيدًا عن أي تدخلات خارجية، وقد أظهرت التجربة التونسية بوضوح أهمية هذه الحرية، حيث انتخب الشعب جمعية تأسيسية مستقلة استطاعت تحديد مسار عملها وصياغة دستور يعبر عن تطلعاته.
من جهة أخرى، هناك من يرى أن البرلمان يجب أن يكون الجهة المسؤولة عن اختيار اللجنة التأسيسية، فهم يشيرون إلى أن العديد من الدساتير العالمية تمت صياغتها بواسطة برلمانات أو لجان اختيرت من قبلها، ويشيرون أيضًا إلى أن تعديل الدساتير هو أمر شائع ويتم عبر البرلمان، مما يعني أن اختيار البرلمان للجنة التأسيسية ليس بالأمر المستغرب.
لكن تكمن المشكلة هنا في احتمال أن تسيطر أغلبية البرلمان على عملية صياغة الدستور، مما قد يؤدي إلى تجاهل التوافق الوطني الشامل، الدستور ليس مجرد وثيقة قانونية، بل هو تعبير عن إرادة شعبية شاملة يجب أن تعكس تنوع المجتمع بأسره، ولتحقيق هذا التوافق، من الضروري تحديد الفاعلين السياسيين الذين يمثلون هذا التوافق والوزن النسبي لكل فصيل سياسي.
الإجابة عن هذه التساؤلات تأتي من خلال الانتخابات، حيث يقرر الشعب القوى التي ستمثله في صياغة الدستور، فنتائج الانتخابات تعكس حجم الدعم الشعبي لكل جماعة سياسية، مما يتيح اختيار ممثليهم في اللجنة التأسيسية بشكل يعكس التوازن الحقيقي للقوى السياسية.
من الضروري تبني معايير واضحة وشفافة لاختيار اللجنة التأسيسية، لضمان تمثيل شامل وعادل يعكس تنوع وآراء الشعب بأسره، يجب أن تتجاوز هذه العملية منطق الوصاية والصراع، باتجاه ديمقراطية حقيقية تشمل مشاركة فعالة من جميع الأطراف في صياغة الدستور، بعيدًا عن الصراعات النخبوية، يجب أن تكون هذه العملية شاملة لكل مكونات المجتمع لضمان حماية المصالح الوطنية.
إن دور الدستور والمجالس النيابية لا يقتصر على تنظيم السلطات فقط، بل يشمل أيضًا حماية حقوق المواطنين وضمان توازن السلطات، هذه المبادئ تشكل أساس بناء دولة القانون، وتعبر عن إرادة الشعب بشكل فعال وديمقراطي، يرى البعض أن هذا المبدأ يشكل ضمانة لاستقلالية السلطات وحماية حقوق المواطنين، مما يجعل البرلمان والمجالس النيابية محورًا هامًا لمراقبة وتقييم أداء السلطات المختلفة، وهو ما يجب أن نحرص عليه في مرحلة صياغة الدستور الجديد.