في الأيام التالية لثورة 25 يناير المجيدة، وبعد استقرار الأمور ووضوح بعض الروئ في المشهد العام السياسي بتنحية مبارك عن الحكم، شهدت مصر توافد العديد من الوفود الأممية والأمريكية والأوروبية والأفريقية، تحت مظلة أهداف دعم التنمية واستكشاف الأوضاع الاقتصادية، والمساهمة في حل بعضها.
لكن تجاوزت الواقع هذه الأهداف المعلنة من مجرد دراسة الأوضاع الاقتصادية وبحث مشروعات التنمية، لتشمل لقاءات مع ممثلين حكوميين، وشباب الثورة، ومنظمات المجتمع المدني، وحتى جماعات مثل الإخوان المسلمين. هذه الأنشطة المريبة تدفعنا للتساؤل حول النيات الحقيقية من وراء هذه الزيارات.
الوفود الدولية، وخاصة التابعة للأمم المتحدة، ليست بعيدة عن أن تكون أداة لتحقيق مصالح القوى الكبرى، فالتجارب السابقة في المنطقة أثبتت أن هذه الوفود غالبا ما تلعب دورًا في تشكيل السياسات المحلية بما يخدم الأجندات الأجنبية ومصالحها.
ففي لبنان، كان مبعوث الأمم المتحدة، يتعاون بشكل وثيق مع السفير الأمريكي في بيروت، مما جعل دوره مثيرًا للشكوك، خصوصًا في ظل قرار الأمم المتحدة رقم 1559 الذي دعا إلى انسحاب القوات الأجنبية وتجريد حزب الله من السلاح. أما في فلسطين المحتلة، فقد كان مبعوث الأمم المتحدة يعكس الموقف الأمريكي تمامًا، مما جعله يدعم إسرائيل بشكل شبه كامل.
هذه الخلفية التاريخية تجعلنا نتساءل عن الدور الحقيقي للوفود التي تزور القاهرة اليوم، هل هي تأتي لتحليل الوضع السياسي في مصر، واختيار شخصيات محددة يمكنها أن تساهم في توجيه الثورة وفق مصالح معينة، خاصة ما يتعلق بالحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل؟ وهل يمكن أن تكون مشروعات التنمية المعلن عنها مجرد غطاء لسياسات تخدم تلك المصالح؟
أمر مشبوه آخر، هو الحديث بعض الإعلاميين عن أن تلك الوفود تدعم الثورة، الأمر الذي يبدو ذلك غير منطقي، فالدول الكبرى غالبًا ما تسعى لضمان مصالحها الخاصة أكثر من دعم التحولات الديمقراطية النابعة من إرادة الشعوب، فالتاريخ يعطينا أمثلة عديدة على تدخلات سافرة ومحاولات توجيه الأنظمة والسياسات بما يتوافق مع مصالح تلك الدول، سواء كان ذلك في الشرق الأوسط أو مناطق أخرى من العالم.
لذا، في خضم انشغالنا بتفاعلات الداخل والتحديات المحلية، يجب ألا نغفل عن ترتيبات الخارج، وأن نكون على وعي بمحاولات توظيف ثورتنا لصالح أجندات ومصالح دولية، علينا أن نكون يقظين وواعين لهذه التحركات، وأن نضمن أن يتم توجيه تلك المساعدات والاهتمامات الدولية بما يخدم مصلحة مصر الحقيقية ومستقبلها الديمقراطي.
إننا نواجه تحديات جمة على الصعيدين الداخلي والخارجي، ومهمتنا ليست فقط في بناء دولة جديدة على أنقاض النظام السابق، بل في ضمان أن تكون تلك الدولة مستقلة في قراراتها وسياساتها، غير خاضعة لأي وصاية خارجية، حتى لا تُستغل الثورة لتمرير أجندات تتعارض مع تطلعات الشعب المصري.