خلال زيارة المدير العام لجريدة الشرق للقاهرة، بادرني بسؤال ممزوج بالدهشة والاستهجان: “هو مش كفاية كده بقي، خلاص الرئيس تنحى وأضلاع نظامه كمان، كفاية اعتصامات وأرجعوا لشغلكم”..
بالرغم من أن الإجابة على هذا التساؤل سهلة بالنسبة لي، إلا إن أقناع الأستاذ عبد اللطيف كانت صعبة جدا.
وللإجابة عن هذا السؤال، كان علينا أن نتوقف قليلاً لنتأمل الصورة كاملة، فقد تبدو الإطاحة برأس النظام حدثًا يستحق الفرح فعلا، لكن لا يجب أن نغفل عن الحقيقة الأعمق: النظام نفسه لا يزال متغلغلًا في مفاصل الدولة.
يعلمنا التاريخ، أن الاستبداد لا يفسد الحاضر فحسب، بل يشكل خطرًا حقيقيًا على المستقبل، فكلما طال أمد الاستبداد، عمل على تفكيك مؤسسات الدولة وتحويلها إلى أدوات تخدم مصالحه، حتى لا يبقى أمام الشعب إلا هذا الاستبداد كخيار وحيد.
المستبد الأكبر يحيط نفسه بحاشية يشبهونه في الطبع والنزعة، هؤلاء الحاشية المنتفعون يتحولون بمرور الوقت إلى بنية متكاملة من الاستبداد، تجعل من الصعب اقتلاعهم، فعندما يُقتلع رأس النظام، تبقى هذه الحاشية حائط صد مقاوم، تدخل معركة وجودية تكون بمثابة حياة أو موت.
نرى هذا واضحًا في النموذج المصري الحالي، فقد ظل الحزب الوطني الديمقراطي مهيمناً على المشهد السياسي منذ عهد الرئيس الراحل أنور السادات، واستمر هذا الهيمنة تحت حكم الرئيس حسني مبارك منذ عام 1983، في هذه الفترة، تحولت مصر إلى دولة شمولية، حيث استُخدمت أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع لتعزيز قبضة مبارك على السلطة، حتى أصبحت هذه الأجهزة أدوات للاستبداد، فيما تحول العاملون فيها إلى أذرع تنفذ أوامر النظام.
رغم أن إسقاط رأس النظام يُعد إنجازًا مهمًا، فإنه ليس كافيًا بحد ذاته. فمع رحيل رأس النظام، بقيت المنظومة التي أنشأها قائمة، صحيح أن بعض الرموز البارزة، مثل وزير الداخلية ووزير الإعلام ورئيسي مجلسي الشعب والشورى، تم التخلص منهم، لكن الحزب الوطني ما زال متشابكاً مع أجهزة الدولة، أولئك الذين تولوا إدارة البلاد على مدى ثلاثين عامًا هم في الأساس من حاشية النظام، استمرارهم في مواقعهم يعني بقاء النظام واستمرار تهديده لمكاسب الثورة.
إذاً، يجب أن نكون واعين بأن صفحة الاستبداد لم تُطوَ بعد، لا ينبغي أن نترك الميدان أبدًا قبل أن نتأكد من أن ذيول النظام القديم لم يعد لها مكان في إدارة البلاد، يجب أن نكون يقظين ومتأهبين، وأن نؤجل الفرح الحقيقي حتى نتحرر تمامًا من بقايا هذا النظام وذيوله، ونبدأ فعليا في تصحيح المسار.