تميزت ثورة يناير المجيدة بأن الشعب هو من استدعى الجيش، وليس العكس. يُقال إن الجيش كان وفيًا للشعب، وأدى دوره كحارس للوطن. ورغم صحة هذه الأوصاف، يجب وضع الأمور في سياقها الصحيح، حتى نحفظ للجيش مكانته ودوره دون أن نحمّله أعباءً تفوق قدراته.
في زخم الإشادة بدور الجيش وتقدير جهوده، انتشر دعاة الفضائيات يروجون جملة مفادها: أن الجيش هو الضامن للشرعية في مصر، ولم يقتصر هذا الرأي على دعاة الفضائيات والمثقفين فقط، بل تبناها أيضًا بعض كبار المسؤولين الجدد في البلاد، رغم تقديري لدور الجيش المصري أثناء الثورة ومساهماته في إزاحة الرئيس السابق حسني مبارك، إلا أنني لم أكن من مؤيدي هذا الرأى.
عندما سمعت هذا الرأي، تساءلت: هل يمكن أن يكون الجيش هو الضامن للشرعية والحقوق في بلد مثل الولايات المتحدة مثلا؟ لماذا يكون الشعب هو الضامن والحارس لحقوقه في الولايات المتحدة، بينما يُعهد للجيش بهذا الدور في مصر وبعض الدول المجاورة؟ واستنبطت الإجابة واضحة جلية أمام عيني؛ ففي الدول الديمقراطية، يكون الشعب هو الضامن للشرعية، حيث يمتلك السلطة لتعيين قادته ومحاسبتهم وعزلهم. أما في الدول غير الديمقراطية، حيث يُغيب صوت الشعب، يصبح الجيش القوة الكبرى التي تحمي النظام وتختار رموزه، دون أن يكون للشعب أي رأي في ذلك.
لدينا نموذج مختلفين لدور الجيش: الأول هو تركيا ما قبل عام 2002، حيث كان الجيش وصيًا على المجتمع والسياسة لأكثر من سبعين عامًا، من ثلاثينيات القرن الماضي حتى بداية الألفية الجديدة. كان الجيش هناك بمثابة الحكومة الخفية، التي تدير السياسة وتراقب الحكومات وتعزلها إذا لزم الأمر. والثاني هو تركيا بعد عام 2002 ، ومع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002، تم تقليص دور الجيش وتقييده، ونجاح الحزب في تحقيق ذلك.
وقد لا نحتاج أن نوضح بالأرقام والبيانات الفرق بين هاتين الفترتين من عمر تركيا، على الأقل من تأثير هذا الوضع السياسي على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتنموية في هذا البلد.
السؤال الآن: هل سيصبح الجيش وصيًا على المجتمع، كما هو نموذج تركيا ما قبل 2002؟ أم أنه سيكون مجرد إحدى مؤسسات المجتمع التي تؤدي واجبها في تأمينه دون أن تفرض وصايتها عليه، كنموذج تركيا ما بعد 2002؟