على هامش ثورة 2011 وما بدأت في تحقيقه من مكتسبات، يتساءل الكثيرون عن جدوى إلغاء وزارة الإعلام في مصر، قد يبدو الأمر من الوهلة الأولى خطوة إيجابية نحو تحرير الإعلام من القيود والوصاية التي طالما مارستها الدولة علي المؤسسات الإعلامية، لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا من مجرد إلغاء وزارة، فالمشكلة الأساسية لا تكمن في وجود وزارة الإعلام من عدمه، بل في العقلية الرقابية الوصائية التي تمارسها السلطة على الإعلام، وهي عقلية تتجذر في نظام يرى في نفسه الأب الراعي والأعلم بمصلحة الشعب.
منذ سنوات، كان التليفزيون المصري نافذة على العالم، إلا أن الوصاية والتحكم في محتوى الإعلام وعناصره جعلت منه مجرد أداة لتوجيه الرأي العام بشكل لا يعكس الواقع، هذه الوصاية كانت تمارس بطرق مختلفة، من تقييد التعبير الحر إلى حجب بعض المثقفين والسياسيين الذين لا يروقون للسلطة، لقد فقد التليفزيون المصري مصداقيته وثقة الناس، وأصبح الكثيرون ينظرون إلي ما يبثه ويروج له بعين الشك.
في الأسابيع التي تلت رحيل الرئيس السابق، شهد الإعلام المصري تحسناً ملحوظاً في مستوى الحرية، ظهرت جرأة جديدة في التعبير عن الآراء، وبدأ الناس يشعرون بأن صوتهم يمكن أن يصل، كان هناك ارتياح نسبي، وإحساس بأن التليفزيون لم يعد مجرد أداة في يد النظام، بل يمكن أن يكون منصة حقيقية للتعبير عن مشاعر الناس وآمالهم، في ظل المنافسة الشرسة مع وسائل الإعلام الجديد.
ولكن، وكما هي العادة في مصر، يبدو أن الحلم كان قصير الأمد، فمع مرور الأيام، بدأت تلوح في الأفق إشارات تدل على عودة الحساسية القديمة تجاه حرية التعبير، بدأ سقف الحرية ينخفض مجددًا، وعادت بعض البرامج لتعرض نفس الوجوه القديمة وتروج لنفس الأفكار الرسمية، هذا الأمر يعيدنا إلى السؤال الأساسي: هل كان إلغاء وزارة الإعلام خطوة حقيقية نحو التحرر، أم أنها مجرد حركة تجميلية؟
الحقيقة أن إلغاء الوزارة لم يكن سوى خطوة أولى، وكان يجب أن يتبعها تحرير فعلي لوسائل الإعلام من أي وصاية، يجب أن يكون الإعلام مستقلاً بالفعل، يعكس تنوع الأفكار والآراء في المجتمع، ويتيح الفرصة للجميع للتعبير عن رؤاهم دون خوف أو ضغوط، ولكن طالما استمرت العقلية الرقابية، وطالما ظل الإعلام خاضعًا لنفس القيود القديمة، فإن الوضع لن يتغير كثيرًا.
نحن بحاجة إلى إعادة التفكير في دور الإعلام في مصر، يجب أن نتجاوز فكرة أن الدولة هي الوصي الوحيد على الحقيقة، وأن الإعلام يجب أن يكون مجرد مرآة تعكس ما ترغب السلطة في أن يراه الناس، يجب أن يكون الإعلام حراً ومسؤولاً، يعبر عن الشعب ويخدم مصالحه، وليس مصالح السلطة، فقط عندها يمكن أن نقول إننا حققنا خطوة حقيقية نحو تحرير الإعلام في مصر.