مقالات سياسية

أصداء الديمقراطية الوليدة

أخيرا، شهدت مصر أول انتخابات تشريعية حرة بعد ثورة 25 يناير، الانتخابات التي بدأت من يوم 28 نوفمبر الماضي، كانت بمثابة لحظة تاريخية في تاريخ البلاد. فقد كانت هذه الانتخابات الأولى التي تُجرى بعد سقوط نظام الرئيس حسني مبارك، وهي التي أعادت للشعب المصري حقه في تقرير مصيره السياسي عبر صناديق الاقتراع.

في الصباح الباكر استيقظت نشيطًا، متفائل المزاج، ذهبت مبكرا للمقر الانتخابي المحدد لي، وقفت لأخذ دوري في طابور طويل لكنني رغم ذلك كنت سعيد، فقد كنت أتطلع من حولي على أجواء الانتخابات بروح جديدة من التطلع والأمل، ممزوجة بمشاهد طريفة وأخرى تحمل في طياتها الكثير من العبر.

– بينما كنت أراجع الأسماء التي أخترتها وسأقوم بانتخابها عندما أصل للصندوق، جاءتني مكالمة من الزميلة الصحفية البارزة إلهام، وبعيدا عن المقدمات التقليدية، باغتتني بسؤال الساعة: هتنتخب مين؟ أجبتها بما أنوى انتخابهم، وبينما كنت أبادر لأحثها على انتخاب من سأنتخبهم، سارعت هي لتثنيني عن انتخاب من أنوى انتخابهم، وتحثني على انتخاب مرشحيها هي، استمرت المكالمة أكثر من مصف الساعة، ما بين شد وجذب ومناقشة وطرح أفكار وآراء، وصلنا معا إلى طريق مسدود من قدرة أحد على إقناع الآخر بوجهة نظره، فتبادلنا التحية بكل ود وأنهينا المكالمة.

– كان التعاون هو سيد الموقف، شاهدت شبابًا متطوعين يساعدون كبار السن في الوصول إلى اللجان، وكانوا يقدمون زجاجات المياه لمن يحتاجها، حتى الجنود المكلفون بتأمين اللجان كانوا يتبادلون الابتسامات مع الناخبين، وكأن الجميع يشعر بأهمية اللحظة التاريخية.

– إحدى المشاهد التي لا الطريفة كانت ظهور بعض الناخبين كبار السن ممسكين ببطاقات شخصية قديمة “مكتوبة بخط اليد” أو بطاقات انتخابية قديمة.

– الانتظار الطويل لم يمنع الناخبين من إضفاء جو من الفكاهة على الموقف، فكان هناك شاب يتجول بين الصفوف ويطلق النكات عن الانتخابات والمرشحين، وكان هناك رجل آخر يرتدي زي “الفراعنة”، وكان يقول إنه مرشح نفسه لتولي “عرش مصر”، مما أثار موجة من الضحك بين الحاضرين.

– كما كانت هناك مشاهد طريفة، حيث شهدت بعض اللجان الانتخابية حالات من الارتباك بسبب عدم إلمام الناخبين بآليات التصويت، كان من المألوف رؤية بعض الناخبين يدخلون إلى غرف التصويت بصحبة أفراد من العائلة، مما اضطر بعض المسؤولين للتدخل وتوضيح أن التصويت فردي وسري، حتى أن بعض الناخبين خرجوا من اللجنة ليسألوا عن المكان الذي يضعون فيه الأوراق بعد التصويت، مما أثار الضحك والابتسامات بين الموجودين.

وبعيدا عن الأجواء خارج مقار اللجان، فقد شهدت الانتخابات تنافسًا محمومًا بين الأحزاب السياسية الجديدة والقديمة، بما في ذلك حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين، وحزب النور السلفي، والأحزاب الليبرالية مثل حزب المصريين الأحرار وحزب الوفد، لكن المشهد لم يخلُ من بعض التجاوزات، مثل محاولات التأثير على الناخبين أمام اللجان، سواء بالترويج للمرشحين أو تقديم الإغراءات.

رغم كل ما شهدته الانتخابات من صعوبات ومفارقات، فإنها -من وجهة نظري- شكلت خطوة مهمة نحو بناء نظام ديمقراطي في مصر، نتيجتها ستكون اختبارًا حقيقيًا لإرادة الشعب المصري وقدرته على ممارسة حقوقه السياسية، وستشكل نقطة انطلاق نحو مستقبل أفضل.

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Most Voted
Newest Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x