كلنا يعلم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه”. وكلنا يحاول تطبيقه بقدر إيمانه وقدرته، ولكن دعنى اسأل سؤالاً بدون تحفظ: إذا استقبلت ضيفاً فى بيتك، ودعوته لمشاهدة مباراة ينتمي لأحد طرفيها، فإذا بالفريق الذى ينتمى إليه ضيفك فاز، فهل تقبل منه أن يقوم ويتفاعل مع الحدث ويهلل، ويغير شكل بيتك خلال فترة تعبيره عن هذا الفرح؟ وماذا إذا كنت أنت لا تنتمى لنفس الفريق الذى ينتمى إليه ضيفك، ماذا ستفعل؟ وماذا سيكون شعورك الداخلى نحوه؟ إذا لم تستطيع أنت الإجابة، أو شعرت بصعوبتها وتحرجت من إبداءها، فسأجيب أنا عليها بكل صراحة.
إذا كان هذا الضيف مجرد جار أو زميل، فلا شك أننى سأتضايق من تصرفاته، بل ويمكن أن أظهر له هذا الضيق. أما إذا كان هذا الضيف صديق أو قريب، فاحتمال تضايقى وارد، صحيح قد لا أظهر له ما أشعر به من داخلى، ولكننى أيضاً قد لا أستطيع اخفاء ذلك الضيق، من خلال كلمة أو تصرف، أو حتى عدم التجاوب مع أفعاله وتصرفاته. لكن إذا كان ضيفى، شخص عزيز، أخاً، أو أبناً مثلاً، فإن تعاملى مع الموقف سيكون مختلفاً بالطبع، لابد أننى سأتفاعل مع فرحته، بل وسأشاركه سعادته بسعادتى، ذلك كوني أحبه.
كان لابد من هذه المقدمة الطويلة، حتى أبرهن بصدق على قيمة هذا البلد المضياف والشعب الطيب، فمن شاهد احتفالات أبناء الجالية المصرية بالدوحة، بعد فوز فريقها القومى ببطولة كأس الأمم الأفريقية، مساء الجمعة الماضى سيعرف بالتأكيد من هم القطريون، من خرج إلى كورنيش الدوحة، وشوارع المدينة بعد المباراة، ورأى احتفالات المصريين، يشاركهم فيها أصحاب البلد، وأبناء الجاليات العربية الأخرى، وحتى غير العربية، لعرف بكل تأكيد قيمة تراب هذا الوطن، ورجاله القائمون عليه.
فالمراقب لمشهد مساء الجمعة، لا يستطيع معرفة أصاحب الفرح، ولا يستطيع تحديد هويته، وسيسأل بالتأكيد عن الفريق صاحب الانتصار، هل هو العنابي، أم المنتخب المصرى، أم منتخب السودان، أم .. أم.. وكيف يعرف وأمامه جمع من جنسيات مختلفة، تتآلف وتتشارك في التعبير عن فرحة النصر، من خلال نسيج شعب واحد، في مشهد قد لا يتكرر إلا فى بلداً مثل هذه، وشعب مثل هذا، بلداً يتعامل مع المقيمين على أرضه، وكأنهم أبناؤه وأخوته، وضيوف أعزاء، يطبق عليهم بحق قوله صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه”.
ولأننا شعرنا بذلك الأحساس الجميل، ووصلتنا تلك المشاعر الدافئة، ولأننا أيضا مثلهم، فإننا نعاهد هذه الأرض الغالية علينا جميعاً، ونعاهد رجالاتها، بأننا لن نقل وفاءاً عن أبنائها، ولا حباً ولا انتماءاً ولا تضحيةً. وميعادنا آخر هذا العام، ميعادنا في دورة الألعاب الأسيوية، لنحاول رد قليل مما علينا لقطر، وقتها سيجنى أصحاب الأرض جميل ما صنعوا.