مقالات سياسية

بين الفض والاعتصام.. معركة الإرادة الشعبية

منذ تنحي الرئيس حسني مبارك، تحولت قضية فض الاعتصام في ميدان التحرير إلى نقطة جدل بين الثوار من جهة، والمصريين من جهة أخرى، وعلى الرغم من أن الأغلبية تميل إلى إنهاء الاعتصام، إلا أن هناك أقلية لا يمكن تجاهلها تصر على استمراره حتى تتحقق جميع المطالب، تلك الأقلية رغم أنها لا تمثل سوى بضعة آلاف، إلا أن وجودها يعكس حجم التوتر والقلق من المستقبل، مما يجعل الأمر أكثر تعقيداً.

يرى دعاة فض الاعتصام أن رحيل مبارك ونائبه هو الإنجاز الأكبر الذي تحقق حتى الآن، وأنه يشكل نقطة التحول الأساسية في تاريخ مصر، ويعتبرون أن الدور الرئيسي الآن هو مراقبة السلطة الجديدة والتأكد من أنها تسير في الاتجاه الصحيح لتحقيق مطالب الثورة، يؤكدون أيضا أن إخلاء الميدان لا يعني نهاية الثورة، بل انتقالها إلى مرحلة جديدة من العمل السياسي والمجتمعي، حيث يظل المواطنون مفتوحي الأعين لحراسة مكتسباتهم، معتبرين أن استمرار الاعتصام سيستنزف الطاقات وسيضعف همم المعتصمين مع مرور الوقت، خاصة وأن إصلاح التشوهات التي خلفها النظام السابق قد يحتاج إلى وقت طويل.

على الجانب الآخر، يصر معارضو فض الاعتصام على ضرورة الاستمرار حتى تتحقق جميع المطالب. يستشهدون بدماء الشهداء والجرحى كدليل على أهمية التمسك بمطالب الثورة وعدم التهاون فيها، يعتبرون أن موقف القوات المسلحة رغم شرفه ونبله، إلا أنه يفتقر إلى الوضوح والتفاصيل بشأن الخطوات المستقبلية، مما يثير الشكوك حول نوايا السلطة الجديدة، يشعرون بالقلق من بعض التصرفات، مثل اعتقال بعض الثوار واستجوابهم في أماكن غير معروفة، حيث يُحتفظ بهم دون معرفة الجهة التي تقوم بذلك، خاصةً أن المحققين يرتدون ثيابًا مدنية تخفي هويتهم الحقيقية.

وتزداد مخاوف معارضو فض الاعتصام عندما يجدون أن الأسئلة التي تُطرح عليهم تتعلق بما إذا كانوا مدفوعين من جهات خارجية، مما يعكس عدم اقتناع بعض الجهات -حتى الآن- بأن هذه الثورة كانت وطنية مئة بالمئة.

يؤكد المعارضون أيضا أن الاعتصام يجب أن يستمر حتى تُتخذ خطوات فعلية من قبل قيادة البلاد الجديدة، مثل إطلاق سراح جميع سجناء الرأي، وإلغاء المحاكم العسكرية والاستثنائية، وتحديد موعد لإنهاء حالة الطوارئ، ورغم ترحيبهم بإقالة وزير الإعلام، إلا أنهم يعتبرون أن الإعلام الرسمي لا يزال تحت سيطرة رموز النظام السابق، مما يُضعف ثقتهم في عملية التغيير.

الجميع يتفق على أن الاعتصام هو أحد الأدوات المهمة للضغط من أجل تحقيق التغيير، ولكن يبقى السؤال: هل تكفي هذه الخطوات لتهدئة النفوس وإنهاء الاعتصام؟ أم أن روح الثورة ستظل مشتعلة حتى تتحقق جميع مطالبها؟ إن الإجابة على هذا السؤال تعتمد على قدرة المجلس العسكري على تحقيق تطلعات الشعب وإظهار نواياها الصادقة في التغيير.

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Most Voted
Newest Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x