من أغرب الأشياء التي تمر أمامنا، هي أن تجد شخصا يتكلم أو يكتب عن فكرة ما أو مبدأ معين، بحماس شديد ودفاع مستميت، حتى ان المستمع أو القاريء لرأي هذا الشخص يكاد يجزم – بدون علم – أن كلامه حقيقة وواقع لا مجال للشك فيه!!
أول موقف من هذا النوع تعرضت له عندما دخلت بلاط صاحبة الجلالة لأعمل فيه، كنت أقرأ لعدد من الكتاب الصحفيين، كانوا يكتبون عن مباديء وقيم، أخلاق وفضيلة، مواقف وأحداث تشعر من خلال قراءتك لها أن كاتب هذا الكلام لابد وأن يكون عالما، متدينا، فاضلا، شجاعا، صاحب مبادئ وقيم، هذا ما كنت استشعره مما كنت أقرأ، إلا أننى عندما عملت مع هؤلاء الناس، واقتربت من عالمهم الحقيقي، وجدت أكثر هؤلاء الناس بعيدين كل البعد عما يكتبون، لدرجة أنيى كنت ألاحظ ان معظم الذين يكتبون عن الأخلاق والفضيلة، ليس عندهم خلق في تعاملاتهم اليومية مع زملائهم!! وأكثر الذين كتبوا مقالات لمحاربة السرقات والرشاوى، هم أول من كانوا يتقاضونها بشكل أو بآخر، وقد فضحهم الله بعد ذلك على أعين الناس!! وأكتشفت ان من كان يدافع عن جهة أو شخص ضد جهة أو شخص آخر، ما كان لصحة موقف أو صدقه، وإنما لكونه كان يقبض من الجهة التى كان يدافع عنها!! وكان أكثر من يكتب في الدعوة ويحث الناس للتعامل بالقيم الإسلامية، كان لا يصلي ولا يصوم، بل وأكثر من ذلك!!
في الحقيقة ان هذه المواقف صدمتنى صدمة شديدة في بداية حياتي العملية، صحيح انني اكتشفت مع الوقت، أن ليس كل ما يقال يجب أن يصدق، إنما عامة الناس يصدقون ما يكتب في الصحف، وكأنه كلام منزل، سذاجة أو عدم وعي، أيا كان الوضع، إنما هى الحقيقة.
ومنذ ذلك الحين وأنا أقابل نماذج كثيرة، لا تقل سوءا عن الصحفيين إياهم، فهذه هي سنة الحياة التي نعيشها، إلا أن أغرب وأعجب ما قرأته خلال الأيام الماضية، من خلال الحوارات والتقارير الصحفية، هو ما يقوله الفنانون عن انتاجهم الدرامي في رمضان، ويتحدث الفنانون – بصدق وحماسة لا مثيل لها – عن الرسالة التي يعملون من أجلها، وما يبذلونه من جهد مضن وعمل شاق، حتى انهم يصلون النهار بالليل، كي يستطيعوا أن يكملوا لنا المسلسل الفلاني، أو البرنامج العلاني، وتجد الفنانة منهم تقول في اجابتها على سؤال “بالحرف الواحد”: “الحمد لله ان ربنا وفقني في هذا الدور، ولذلك انا وزملائي بذلنا أقصى ما نستطيع من جهد، حتى نسعد الناس بهذا العمل الفني العظيم في شهر رمضان”، وردا على سؤال تالٍ تجيب: فى الحقيقة ان هذه المشاهد لم تكن خارجة بالشكل الذي وصفته، ولكنها جاءت في سياق البناء الدرامي للعمل ككل، واعتقد ان مشاهدتها بعد الافطار لن يكون فيه مشكلة”!!!
أما زميلها الفنان فقال: “انا أؤمن بأن العمل عبادة، لذلك فأنا أبذل كل جهدي لإنجاز باقي حلقات المسلسل خلال الأيام القادمة، حتى نسعد المشاهدين في هذا الشهر الكريم”!!!
والسؤال الآن هو: ألا يعلم هؤلاء الفنانون أن ما يقولونه مجرد وهم من نسج خيالاتهم المريضة، أم أنهم مقتنعون فعلا بما يقولون، مجرد سؤال!!