مقالات اجتماعية

بدون أصل!

بطبيعة الحال، تختلف شخصية كل إنسان عن الآخر، ويرجع ذلك كما هو معروف لعوامل كثيرة، أذكر منها طبيعة خلق الله سبحانه وتعالى للإنسان، فقد خلق الله الإنسان من روح وجسد، الروح تشد الإنسان لأعلى حيث نشأتها وموطنها، والجسد يجذب الإنسان لأسفل حيث بدايته ونشأته، وما بين هذا الشد والجذب يعيش الإنسان حياة ملؤها التناقضات، من يستطيع تحقيق التوازن بين الروحانيات والماديات يكون قد حقق المعادلة الصعبة والهدف المنشود، أما من لم يستطع تحقيقه فإما أن تشده روحه وتسمو به إلى عالم الروحانيات، فيصبح إنسانا ساميا، حتى يكاد يخرج من هيئته الإنسانية نحو عالم الملائكة في صفاتهم وأفعالهم، وهذا ما لا ينطبق على كثير من البشر، وإما أن يترك نفسه ينجذب الى الأسفل ، ويلهث وراء الماديات، وأمور الدنيا “الدنيا”، فيتدنى الإنسان بنفسه حتى يصبح إنسانا يوصف بأنه “واطي”، ويعاني مما يعاني منه كل ما يرتبط بالأرض وطينها.

وهذا النوع الواطي من البشر نقابله كثيرا في حياتنا، فصور هؤلاء البشر الذين يتدنون بدينهم وأخلاقهم وقيمهم ومبادئهم وأصلهم الى مستوى الأرض كثيرة جدا، هؤلاء البشر الذين يبيعون هذه القيم ويغيرونها من أجل حفنة ريالات، أو من أجل كرسي زائل، يتوهمون بغير حق أنهم بذلك يملكون الدنيا وما فيها.

وما دعاني لأن أكتب هذا الكلام هو خاطرتان، الأولى حول حوار دار بين زميل لي ومسؤول كبير حول طموحاته المهنية وآرائه المعارضة في نفس الوقت، المسؤول قال لزميلي أنه لكي يحقق طموحاته لابد أن توافق آراؤه وأفكاره آراء وأفكار قياداته، كما لابد أن تتفق هذه الأفكار مع شكله وهيئته وطريقة كلامه، ومع أصدقائه والأماكن التي يرتادها باستمرار، وعندما عبرت لزميلي عن دهشتي من طريقة هذا التفكير الديكتاتورية والمحبة في نفس الوقت، قال لي أنني تيقنت من هذا المسؤول أن هذه المواصفات “الدنيا” هي جواز السفر الأهم لعبور أى شخص للمناصب العليا، وتأتي بعد ذلك الكفاءة والخبرة وبعض المواصفات الأخرى!

أما الخاطرة الأخرى فجاءت من خلال التفكر في مشاهدتي لبعض تصرفات الناس من حولي، فالإنسان دائما ما يأخذ انطباعا عن الناس من خلال تصرفاتهم الظاهرية، فهذا شخص طيب وهذا شخص شرير وهكذا، وهذه هي طبيعة الله في خلقه، إلا أن ما يحزنني كثيرا هو تغيير طريقة تعامل بعض الناس من خلال الشخص الموجود داخل الموقف، فتجد بعض الناس يتعامل بذوق ولطف وتواضع مع الأشخاص المكافئين له ومن يعلونه، سواء في الوظيفة أو في الثقافة وما شابه ذلك، حتى أنك تحسبهم على حزب أصحاب القلوب الطيبة، إلا أنك تجد نفس هؤلاء الناس يتعاملون بغلظة وقسوة وتكبر مع الأشخاص الذين يشعرون أنهم أقل منهم، فتجدهم يتعاملون معهم بغلظة، ويصرخون في وجوههم بسبب وبدون سبب، ودائما ما يحقرون تصرفاتهم، ويقللون من قيمة أفعالهم، ولا يلقون لهم بالا عندما يتحدثون إليهم تحقيرا لهم!!

سألت صديقي: لماذا يتعامل فلان وفلان بهذه الطريقة مع الناس، قال في بلدتنا يطلقون على من يفعل ذلك “إنسان واطي”، و”ماعندوش أصل”.

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Most Voted
Newest Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x