من الأحاسيس المتأصلة في وجدان الإنسان الشعور بالانتماء، فالانتماء شعور فردي تجاه أشياء كثيرة من حوله، تختلف أهميتها باختلاف شخصية كل شخص وميوله وأيدلوجيته وتربيته وبيئته، وأهم أطر الانتماء الدين والوطن، ويتبع ذلك في الأهمية العشيرة والعائلة، ثم الجمعيات والمنظمات والأحزاب، حتى الفريق والنادي وغيرهما، فالانتماء هو جزء من الشق الاجتماعي لشخصية الإنسان، المملوءة بغريزة حب الجماعة، والعمل لها ومن أجلها ولمصلحتها، وهو ما يطلق عليه علماء علم النفس غريزة “القطيع”.
والانتماء للوطن – بعد الدين – من أهم أنواع الانتماءات التي يجب أن تعيش في وجدان الفرد، فشعور الانتماء الوطني هو أول خطوة في نجاح الوطن أو الأمة، فكيف لأمة أن تتقدم وتتطور وترتقي بدون سواعد أبنائها، هل تتقدم الأمم بدفء جوها، أو بجمال شواطئها، أو بثرواتها الطبيعية، بالطبع لا، فالأمم ترتقي بفكر مفكريها المستنير، وأبحاث علمائها المبدعين، وعرق عمالها المجتهدين، وهذا كله لا يأتي بالعمل بدون انتماء للوطن، فالانتماء هو المحرك الأساسي للإبداع والتفوق والتطور.
والانتماء للوطن من أهم الانتماءات في عالمنا المعاصر، وهذا الانتماء يعني حب الوطن والاستعداد للتضحية بكل ما نملك فداء له، كذلك المحافظة على كيانه الاجتماعي بالالتزام بالقيم الوطنية السائدة في مجتمعه، وتبجيل رموزه الوطنية، والالتزام بالقوانين والأنظمة المعمول بها، والمحافظة على ثروات الوطن وممتلكاته، وهي للأسف فضائل قلما نجدها في شبابنا اليوم.
والانتماء من الفطر التي فطرنا الله عليها منذ الصغر، إلا أنها تحتاج بجانب ذلك إلى رعاية وتنمية، فالطفل يشعر بالانتماء لأمه منذ خروجه للحياة، ثم يشعر بالانتماء لأسرته الصغيرة فالكبيرة، ثم لمدرسته، حتى يصل إلى باقي الانتماءات الأخرى، إلا انه من الهام جدا رعاية بذور الانتماء هذه في نفوس أطفالنا وتنميتها، يجب أن يشب الأبناء على عقيدة أن حب الوطن والتضحية في سبيله فرض عليهم، يجب أن نعلمهم كيف يحبونه، وكيف يقدمون له، ومتى وأين، يجب أن يعلموا أن من لا يحب وطنه ويضع مصالحه العليا في اعتباره إنسان جاحد وعاق لوطنه، الذي هو أهم من أمه.
عندما نربي أطفالنا على هذه الفضائل سننشيء جيلا يحمل على عاتقه هموم وقضايا بلده وأمته، يدافع عن أرضها وعرضها وكرامتها، عندها سيصبح لدينا جيل كامل من فصيلة أبو تريكة، ذلك اللاعب الذي لم ينس قضية أمته وقضية أبنائها، فضرب أروع مثل في كيفية التعبير الإيجابي عن قضيته، فحقق هدفه بشكل راق متحضر، حتى أنه نال شهادة عدوه، الذي اعترف أن ما فعله أبو تريكة في مباراة كرة فاق كل ما فعله السياسيون والمثقفون منذ حل الرئيس عباس حكومة هنية، فرفع شعبية حماس في غزة مرة أخرى.
إن ما فعله اللاعب أبو تريكة يجب أن يكون درسا نعيه نحن أولا، ثم نلقنه لأبنائنا، فالتضحية من أجل الأمة لا تتطلب ثقافة ولا وظيفة، ولا مالا ولا سلطانا، ولا يحكمها زمان أو مكان، المهم أن نحمل قضايا أمتنا في قلوبنا، المهم أن ننتمي لوطننا، وقتها فقط سيرقى بنا هذا الوطن.