الحقيقة ان مشكلة ارتدائنا لأقنعة مختلفة للتعامل مع المواقف المختلفة، والتعامل مع الأشياء من منطلق سببين، كثيرا ما تشغل حيزا من تفكيري، فهذه الخصلة السيئة التي تنتشر بشكل واسع في معظم تعاملاتنا وتصرفاتنا خلال حياتنا العادية، تدل بلا شك على الجبن والنفاق، فما الذي يدفع شخصا ما إلى إخفاء نيته الحقيقية من تصرفاته، فيكون تهاتفه مع أصدقائه بسبب غير ما يذكره، وأهداف زياراته المعلنة لمن حوله تختلف عن أسبابها الحقيقية، وشعوره الظاهر تجاه من حوله يختلف تماما عما بداخله، حتى ابتسامته تختلف دوافعها الظاهرة عن الباطنة.
والسؤال هو: من الذي علمنا هذه الخصال السيئة، ومن أين أتينا بها؟ في اعتقادي أن الأنانية والجبن هما أهم الأسباب التي تدفعنا إلى مثل هذه التصرفات، علماء علم النفس الاجتماعي أقروا بأنانية الجنس البشري بصفة عامة، فكل إنسان يحتفظ بجزء من الأنانية بداخله، شاء أم أبى، أفصح أم أخفى، وهذه الأنانية تنعكس على معظم تصرفاته، فلا تخطو قدم الإنسان خطوة إلا بهدف، هذا الهدف عبارة عن استفادة من نوع ما، سواء مادية أو معنوية أو جنسية، قد يعرفها أو يستشعر بها من حوله، وقد يكون الهدف دفينا بعيدا كل البعد عن إدراكنا، وبالتالي نعتقد في الهدف الظاهر والمعلن من هذا الشخص.
أيضا هناك سبب آخر لا يقل أهمية عن سابقه وهو الوراثة، فالطفل يستمع لوالده وهو يتحدث في الهاتف مع جهة عمله بأنه سيقوم بأجازة بسبب مرضه، وهو يعرف تماما أن والده سيقوم بأجازة من أجل القيام بنزهة أو أي سبب آخر، كذلك يستمع هذا الطفل لأمه وهى تتحدث مع صديقتها عن كميات ونوعيات الطعام الذي تجهزه يوميا لزوجها وأولادها، أو كم المشتريات التي قامت بها الأسبوع الماضي، وهو يعلم تماما إن هذا الكلام لا يمت للواقع الذي يراه ويعيشه بأي صلة.
وعندها يبدأ الطفل في التعود على الكذب غير المبرر، أو بمعنى آخر كذب تجميل الأشياء، حتى يبدو مهذبا ومؤدبا، وكريما ووفيا، فتتأصل هذه الأفكار في شخصيته، ويصبح التعامل بها شيئا مألوفا.
التجارب من حولنا دائما ما تثبت أن الرجال الناجحون هم الصادقون مع أنفسهم ومع غيرهم، هم الرجال الذين يحبون أن يقولوا الحقيقية دائما، لأن الكذب والحيل لابد أن تنكشف مع الوقت مهما طال، فما يجمعه مثل هؤلاء الأشخاص من احترامنا بالكذب والاحتيال، لابد أن يخسروه أضعافا مضاعفة حين ينكشف أمرهم، وهذا سيحدث لا محالة.