عندما يكون الإنسان راضيا عن الحياة التى يعيشها، فإنه يكره أى شىء يعكر صفو هذه الحياة أو يغيرها، حتى وإن كان غير راض عن هذه الحياة بشكل كبير، ولأن دوام الحال من المحال، وحال الإنسان لا يستمر على وتيرة واحدة طوال الوقت، فإننا نخاف من أى تغيير قد يطرأ على حياتنا، حتى وإن كان هذا التغيير للأفضل.
إلا أن الشعور بالرضا هو الوسيلة الوحيدة الفعالة التى تجعل الإنسان يتعايش مع أحلك الظروف التى يمكن أن يعيشها أو يمر بها، فالشعور بالرضا والسلام والصفاء، هو من الأحاسيس التى يصنعها الإنسان بداخله أولا، بمعنى أنك إذا كان لديك احساس داخلي بالرضا، سواء كان هذا الإحساس طبيعيا، أو أنك أنت الذى تولده وتصنعه بداخلك، فإنك ستبقى دائما راضيا عن حياتك وأحوالك بحلوها ومرها وأحداثها المختلفة، أما إذا كنت من هؤلاء الناس المتذمرين دائما، وغير الراضين عن حياتهم، ولا عن الأحداث الصعبة التى قد تمر بهم، فإنك ستبقى دائما غير راض عن حياتك ولا عن قدرك الذى كتبه الله لك، حتى وإن تغيرت هذه الحياة وتلك الظروف إلى الوضع الذى كنت تريده وتتمناه أنت لنفسك، فإنك ايضا لن تكون راضيا، لان الرضا أساسا غير موجود بداخلك، ذلك ان الرضا ليس من الأحاسيس التي تهبط علينا من السماء، إنما هو ارادتنا نحن الداخلية.
لذلك يحضرني دائما عبارة جميلة قالها أحد علماء علم النفس عن أحاسيس الإنسان الداخلية، وتأثيرها على الحياة من حوله، وهي: “أينما تذهب فأنك هناك” وهى عبارة عميقة توضح أن القضايا والأحداث التى يعيشها الإنسان تتحرك من داخله إلى المحيط الذى يعيشه وليس العكس، أما القضايا والأحداث نفسها فإن تأثيرها أقل بكثير من تأثير أحاسيسنا الداخلية في التعامل معها، وأبلغ دليل على ذلك أن من يرى أحداث حياته من خلال نظارة سوداء، سيري كل الأحداث التى تمر به معتمة، أما من يتابع نفس الأحداث من خلال نظارة وردية اللون، سيرى نفس هذه الأحداث بشكل مغاير تماما.
فليس منطقيا إذا كنت من هؤلاء غير الراضين عن حياتهم، ان ترضى لمجرد تغير مكان إقامتك، أو عملك، أو أصدقائك وزملائك، ذلك بأن عدم الشعر بالرضا هو اختيارك انت من الداخل، ولن يتغير بتغير العوامل التى تعيشها من الخارج، تماما كما لو أنك شخص سريع الغضب والانفعال، فأنك ستبقى كذلك أينما ذهبت.
تبقى المشكلة الحقيقية في أن عدم رضا الإنسان بالقدر لن يغيره للأفضل، بل سيجلب عليه ويلات لا حصر لها، فقد ورد في الحديث القدسي: (يا ابن آدم، …..إن رضيت بما قسمته لك، أرحت قلبك، وإن لم ترض بما قسمته لك، فوعزتي وجلالي، لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحوش في البراري، ولا ينالك فيها إلا ما قسمته لك، وكنت عندي مذموماً).
أنجانا الله وإياكم.