عندما أشاهد شخصا شريرا في تصرفاته، أسأل نفسي: لماذا هذا الإنسان يحمل كل هذا الشر بداخله، ولماذا يتعامل مع الناس من حوله بهذه الطريقة الشريرة، هذه التساؤلات من الطبيعي جدا أن أسألها لنفسي، كما نسألها جميعا لأنفسنا، ونندهش ونتعجب عندما لا نجد إجابات عليها، ولكن دعني أغير اتجاه السؤال، تعتقد ماذا يقول عني الشخص الشرير، قد يكون رأيه في مثل رأيي فيه، فمن المحتمل جدا أن يكون رأيه إنني أنا الشرير، إذن كيف اعرف الحقيقية، ومن يفصل بين رأيي ورأيه.
أعتقد أن أكتشاف الإنسان لنفسه أفضل طريقة للحكم على الآخرين، فإذا استطعت تقييم شخصيتك وصفاتك بموضوعية وحيادية، فإنك ستستطيع بكل تأكيد تقييم شخصية الناس من حولك بنفس الحيادية، متي توافرت عوامل هذا التقييم لديك.
قرأت ذات مرة قصة تحمل معاني عميقة، أرويها لكم: دخل شاب صغير إلى محل به هاتف، استأذن الشاب باستخدام الهاتف وبدأ بعمل اتصال، قال الشاب في الهاتف: سيدتي، أيمكنني العمل لديك في وظيفة جنايني لحديقتك؟ أجابت السيدة: لدي من يقوم بهذا العمل، هكذا فهم صاحب المحل الذي كان يقف بجوار الشاب معنى الكلام، قال الشاب: سأقوم بالعمل لديك بنصف الأجر التي يتقاضاه هذا الشخص، أجابت السيدة بأنها راضية بعمل ذلك الشخص ولا تريد استبداله.
بدا الشاب أكثر إلحاحا في طلبه وقال: سأنظف أيضا ممر المشاة والرصيف أمام منزلك، وسأجعل لك الحديقة من أجمل حدائق المدينة، ومرة أخرى أجابته السيدة بالنفي، تبسم الشاب وشكرها وأغلق الهاتف، وبينما هو يستعد لدفع الحساب، تقدم صاحب المحل إلى الشاب وقال له: لقد أعجبني حماسك الكبير للعمل، وإصرارك على خلق فرصة عمل، ولذلك فانني أعرض عليك فرصة للعمل لدي في هذا المحل.
أجاب الشاب الصغير: أشكر لك عرضك، غير أني فقط كنت أقيم أدائي للعمل الذي أقوم به حاليا بشكل حيادي، إنني أعمل لدى هذه السيدة التي كنت أتحدث إليها في الهاتف.
ونرجع للسؤال: كم منا يبذل جهدا لمعرفة صفاته وتصرفاته، أو يحاول تقييم أدائه في العمل بشكل حيادي، كم منا سأل نفسه بعد إحساسه بوقوع ظلم عليه، هل أنا مظلوم فعلا؟ أم إنني ظالم أيضا؟ يجب أن نتقن لعبة تبادل الأدوار إذا أردنا أن نفهم الناس، ونلتمس لهم الأعذار، يجب أن نتفهم دوافع تصرفات الآخرين معنا، يجب أن نحاول التفكير بطريقتهم، والنظر بعيونهم، وقتها قد نتخلى عن عوامل كثيرا تدفعنا للإحساس بالظلم، وقتها فقط سنفهم الناس ويفهموننا، وسنحب الناس ويحبوننا.
الفرق الوحيد بين تقييمنا للناس الطيبين والناس الأشرار، هو أننا نريد أن نحكم على الناس الطيبين بالطيبة، ونريد أن نصف الناس الأشرار بالشر، فقط رسائل وإشارات نرسلها لأدمغتنا، وهى تقوم بعمل اللازم.