الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، أكثر العبارات المأثورة تداولا بين الناس، وهي ناجحة بشكل كبير نظريا، أما عمليا فالواقع أن كثيرا ما يفسد الاختلاف في وجهات النظر المودة والمحبة بين الناس، وكثيرا ما يسمم الاختلاف في وجهات النظر الأجواء بين المختلفين، بل إنه في بعض الأحيان يكون سببا للسخط والكره، وربما العداوة والبغضاء.
والله سبحانه وتعالى لحكمة إلهية، خلق البشر مختلفين، فطبيعة البشر مبنية على الاختلاف، اختلاف في الآراء، اختلاف في الأذواق، اختلاف فيما نحب وفيما نكره، وكذلك اختلاف في الميول والتوجهات، ولذلك من الطبيعي عند طرح أي قضية على أكثر من شخص أن تجد تباينا كبيرا في وجهة نظر كل شخص تجاه نفس القضية، حتى أنك لتجد الرأيين المتضادين لحل نفس الموضوع أو ظاهرة ما، فلكل شخص رأي تجاه أي موضوع أو قضية، وهذا كما يقول المتخصصون ظاهرة صحية.
لكن ما هو غير صحي، بل نستطيع القول بأنه ظاهرة سلبية، هو ذلك الصدام أو الاصطدام الذي ينتج عن الاختلاف في الرأي بين طرفين أو مجموعة أطراف، فتجد أن النقاش يبدأ بينهم بوجه بشوش وصوت دافئ وتسلسل في أفكار الإقناع، ويتطور النقاش شيئا فشيئا حتى يصل الأمر إلى نقاش حاد وصراخ ووجه عبوس، ولربما ينتج عنه مشاحنات ثم مشاجرات، ويتخلل ذلك طعن في الشخصية والذمة، وربما الأفكار والعقيدة!!
والحقيقة إننا لا نعرف ثقافة الاختلاف في مجتمعاتنا ولا نمارسها، وليس لدينا قدرة على تقبل الرأي الآخر، هكذا تربينا، فالأب – مثلا – لا يقبل أبدا الاختلاف مع أبنائه، ويعتبر هذا قلة أدب ونقص تربية، كما أن المعلم لا يقبل الاختلاف مع تلاميذه، معتبرا ذلك عدم احترام، وهذا لب المشكلة الحقيقي، لذلك دائما ما تتحول اختلافاتنا إلى خلافات، وتتطور إلى اتهامات ومزايدات، ومحاولات لتشويه دور الطرف الآخر، وكأننا في ساحة معركة أو قتال!
الاختلاف هو سنة الكون، وبعض الحقائق قد تكون نسبية ومتعددة الأوجه، كما إننا لن نكون صورة كربونية عن بعضنا البعض، لذلك يجب علينا عندما نختلف أن نحترم الاختلاف، بل ونتعامل منه بإيجابية بدلا من قمعه، عندها فقط سنكتشف مزيدا من أوجه الحقيقة، ولن يحدث ذلك إلا عندما نتقن فن الاختلاف ونستوعب ثقافته، ونتعامل بمقولة “الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ” فعلا لا قولا، يجب أن يظل الحوار بين الناس وسيلة للتفاعل والتواصل الإنساني لتبادل الآراء وتكامل الخبرات، والوصول إلى نتائج يستطيع بها المتحاورون معرفة الحقيقة.
قديما قال فولتير: “رأيي يختلف عن رأيك، لكني مستعد أن أدفع حياتي في سبيل أن تتمكن أنت من أن تقول رأيك”، أما العم بوش فيقول: “إذا لم تكن معي فأنت ضدي”، وهذا هو وضعنا الآن.