لا أعرف سببا واحدا يدعو جموع المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها للاختلاف كل عام في المواسم الدينية، فالمسلمون يختلفون كل شهر هجري على تحديد بدايته، ويتجلى هذا الاختلاف في تحديد شهر رمضان وشهر شوال، والمسلمون يختلفون كل عام في الاحتفال بذكرى الهجرة، وذكرى الإسراء والمعراج، وذكرى غزوة بدر أو فتح مكة، والمسلمون يختلفون أيضا كل عام في مثل هذه الأيام المباركة حول شرعية الاحتفال بمولد النبي الكريم، هل هو حلال أم بدعة!!
والحقيقة أن المسلم يجب أن يتحرى الحلال والحرام في كل أقواله وأفعاله، فذلك هو الطريق الأوحد للخروج الآمن من هذه الدنيا، وتحري الحلال والحرام في مثل هذه الاحتفالات بصفة عامة يجب أن نستمده – نحن عامة الناس – من علمائنا الأجلاء، بناء على استنباطهم للأدلة والأسانيد من القرآن والسنة، وإذا تحدثنا بوجه خاص عن شرعية الاحتفال بمولد رسولنا العظيم نجد أن العلماء اختلفوا ما بين مؤيد ومعارض، فالمؤيدون للتذكير بيوم ميلاد سيد الخلق يقولون “الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الاثنين احتفالا بيوم مولده، كما أن فكرة تذكير الناس بـنعم الله العظيمة عليهم، ومنها مولد النبي، أمر مشروع ومحمود بل ومطلوب، والله تعالى أمرنا به في القرآن الكريم، لما فيه من استخلاص الدروس والعبر، ولا عيب في ذلك ولا يصح وصف ذلك بالبدعة أو الضلالة، بل من حقنا كمسلمين أن نتذكر سيرة النبي الكريم كلما جاءت مناسبة من المناسبات، وليس هذا من الاحتفال المبتدع، لأننا نذكر الناس بالسيرة النبوية العطرة ونربطهم بالرسالة المحمدية، وهي نعمة عظيمة شرط اجتناب المنكرات والمخالفات الشرعية”.
وهذا الرأي المعتبر والمقتبس من رأى الإمام العلامة القرضاوي وعلماء أجلاء آخرين، لا يقلل أبدا من آراء علماء أجلاء آخرين أمثال الشيخ ابن باز وغيره والذين أفتوا بعدم جواز ذلك وقالوا “الشرع المطهر والمحققون من أهل العلم أقروا أن الاحتفالات بالمولد بدعة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أنصح الناس وأعلمهم بشرع الله، والمبلغ عن الله لم يحتفل بمولده، ولا أصحابه ولا خلفاؤه الراشدون ولا غيرهم، فلو كان حقاً وخيراً وسنة لبادروا إليه، ولما تركه النبي ولعلمه أمته، أو فعله بنفسه، ولفعله أصحابه، وخلفاؤه رضي الله عنهم، فلما تركوا ذلك علمنا يقينا أنه ليس من الشرع، وبذلك يتضح أنه بدعة”.
وأمام آراء هؤلاء الفطاحل من أهل العلم، بالله كيف لنا أنا وأنتم أن نتخذ السبيل بين ذلك، أعتقد أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك” هو السبيل.
صلى الله عليك يا حبيبي يا رسول الله في كل وقت وفي كل حين..
صلى عليك الله يا علم الهدى ما هبت النسائم وما لاحت على الأيك الحمائم..