مقالات اجتماعية

إكرام اللئيم!

رسالة طويلة وصلتني، يحكي صاحبها قصة واقعية مريرة مر بها، ودعته للتساؤل في نهايتها، عن جدوى فعل الخير في غير أهله، ثم رد على تساؤله بأن فعل الخير في غير أهله سذاجة وبله، واختتم رسالته بقصة شعرية، أجد من المناسب ذكرها ثم أرد على رسالته، تقول الأبيات:

لقد رمد الثعبان يوما في الشتاء         فمر غلام واستعد لنقله
وجاء به يسعى إلى الدار طائشا         فأدفأه.. فانظر لقلة عقله
ولما أحس الوحش بالدفء حوله       وساحت سموم الموت في الجسم كله
ففتح عينيه وحرك رأسه                على الولد المسكين يبغي قتله
رآه أبوه.. عاجلا قطع رأسه           وداس عليه غاضبا بنعاله
وقال بني احذر لئيما لقيته              ولا تصنع المعروف في غير أهله

وأنا أزيد الصديق بيتا من شعر المتنبي:

إن أنت أكرمت الكريم ملكته          وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

وأقول، بالطبع الشاعر لم ينشد هذا البيت بطرا أو اعتباطا بل قاله عن تجربة مريرة، فأنا لا أخفي انحيازي لهذا الرأي في بعض الأحيان بعد الخروج من بعض المواقف الصعبة، مصداقا لأقوال وحكم كثيرة، منها: قول الإمام العلامة ابن عقيل: فعل الخير مع الأشرار تقوية لهم على الأخيار، وكما لا ينبغي أن يحرم الخير أهله، لا ينبغي أن يحرم الخير حقه، فإن وضع الخير في غير محله ظلم للخير، كما قيل: لا تمنعوا الحكمة أهلها فتظلموهم، ولا تضعوها في غير أهلها فتظلموها، ويقال: كما يتوخى للوديعة أهل الأمانة والثقة كذلك ينبغي أن يتوخى بالمعروف أهل الوفاء والشكر، ويقال أيضا: إعطاء الفاجر يقويه على فجوره، وتعليم الجاهل زيادة في الجهل، والصنيعة عند الكفور إضاعة للنعمة.

فالتجارب المريرة التي يمر بها الإنسان تشكل عادة تغييرا مفاجئا وآنيا في تصرفاته وحكمه على الأشياء، وتجعله يؤمن بمثل هذه الأقوال، وقد تظل هذه الرؤية التشاؤمية الجديدة للأشياء فترة، ولكنها عادة ما تنتهي مع انقشاع ضبابية التجربة، وهذا ما يحدث مع الكثير منا عندما يواجه مواقف صعبة من ذلك النوع، ولكن مع مرور الوقت والتفكر في الأزمة من منطلق آخر أكثر موضوعية وتدبرا، فإن رؤيتنا قد تعود لصوابها، وفطرة الخير تعود للمقدمة من جديد، صحيح إننا قد نشعر بمرارة الجحود والنكران في بعض الأوقات لكننا لا يجب أبدا أن نندم على الخير، إذا كنا نطمع من هذا الخير في الثواب الخالص من الخالق، أما إذا كنا نفعل هذا الخير من أجل إرضاء البشر، والحصول على شكرهم، والطمع في ثنائهم، فبالطبع ستكون صدمة عنيفة عندما يكون جزاء الإحسان هو الإساءة والجحود، وكان يقال: اصنع المعروف إلى كل أحد فإن كان من أهله فقد وضعته في موضعه، وإن لم يكن من أهله كنت أنت من أهله.

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Most Voted
Newest Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x