لا أحد منا يستطيع أن يكف عن الكلام، فالكلام صفة أودعها الله في الإنسان وباقي مخلوقاته، والتي عن طريقها يستطيع هذا الإنسان أن يكون مجتمعات تعمر الأرض، تحقيقا لأمر الله في خلقه، لذلك فالكلام في حد ذاته ليس أمرا مخجلا، لكنه أمر هام لا يستطيع المجتمع التواصل الطبيعي بدونه، لكن المخجل حقا هو الإفراط في الكلام مع من حولنا – خاصة إذا لم يتقبلوا ذلك – والخوض بطبيعة الحال في مسائل تخص الآخرين أو الخوض في أعراضهم.
وإذا كانت صفة الثرثرة الذميمة يشترك فيها الرجال والنساء على حد سواء، فإن المتابع يجد أن المرأة تمتلك طاقة جبارة تستطيع من خلالها التحدث لساعات طويلة ومتواصلة دون ملل أو كلل، بل على العكس من ذلك، فإن الكثير من النساء يجدن متعتهن في هذه الثرثرة، والأكثر من ذلك أن بعض النساء يجدن في الثرثرة وسيلة فعالة وعلاجا للتخلص من الضغوط الحياتية المحيطة بهن، بالإضافة إلى تقليل الإحساس بالقهر والتمييز الذي تشعر بعضهن به، وبالتالي تجعل هذه الممارسة المرأة أقل عرضة من الرجل للاضطرابات النفسية والوقوع فريسة للإدمان والانطوائية والميل للعدوانية، وهو ما أثبته العلماء من خلال الدراسات الحديثة بامتلاك المرأة لهرمون يسمي أوكسيتوسين، وهو المسؤول عن تحسين المزاج، ويفرز بكثرة عند الثرثرة!!
وذكرت هذه الدراسات أن معدل عدد الكلمات التي تتكلمها المرأة يدور حول 18 ألف إلى 20 ألف كلمة في اليوم، وهو ما يزيد كثيرا على معدل عدد الكلمات التي يتكلمها الرجل في نفس المدة، والتي تتراوح ما بين 6 آلاف إلى 8 آلاف كلمة، والنتائج لا تحتاج إلى تعليق.
إلى هنا يجب أن نتفهم – نحن الرجال – هذه الطبيعة البشرية الموجودة في نصفنا الآخر، ونعرف كيف نتعامل معها، لكن يجب في نفس الوقت ألا تخرج هذه الهواية أسرارنا خارج حدود البيت والأسرة، يجب ألا تدخل الثرثرة العامة دون شعور في الأحاديث الشخصية والأسرار الزوجية، فإذا أدرك الزوج أن أسراره تتسرب من فم زوجته، فإنه وبلا شك سيكون محقا إذا فقد الثقة فيها، وسيكون محقا إذا أخفى عنها ما يرى هو ضرورة الحفاظ عليه من الآخرين، لأنه أصبح يدرك أن زوجته لا تستطيع الحفاظ على أسرارهما، وإنها في أي لحظة ستبوح بها إلى جاراتها أو صديقاتها.
سأل معاذ رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ثكلتك أمك وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم.