مقالات اجتماعية

الإنسان المسكين!

رغم تقدم الأبحاث العلمية والاكتشافات التي وصل لها الإنسان خلال العقود الأخيرة، حتى بلغه من الغرور ما بلغه، وظن أنه أصبح قادرا على الكون ومسيطرا على ما فيه من مخلوقات، أظهر خالق الكون له مخلوقا، شديد الضعف، تافه الشأن، متناهي الصغر، لا يكاد يراه إلا تحت المجهر، سماه هو فيروس، هاجمه من حيث لا يدري، وحصد الملايين من جنسه على مدار التاريخ، ولديه القدرة على إبادة أكثر من نصف سكان المعمورة في وقت قياسي، بدون أسلحة ذرية أو كيماوية أو حتى نووية، إنها آية من آيات الخالق العديدة التي تحتاج لتفكر.

ويتحرك الفيروس العجيب بشكل أكثر عجبا، سماه الإنسان المسكين بعدما فشل في السيطرة عليه وباء، حيث حدث ذلك عدة مرات، أسقط خلالها ملايين الموتى بداية من عام 1889 وحتى عام 1969، كان أخطرها على الإطلاق ما حصده الفيروس عام 1918 حيث صرع الوباء حوالي 40 مليون شخص، “ثلثي ضحايا الحرب العالمية الثانية في أربع سنوات”، وهو ما يفوق أقوى وأخطر الأسلحة التي صنعها الإنسان المسكين خلال تاريخه العلمي والبحثي المبهر، وما أنفقه على هذه الأبحاث وهذه الصناعات من مليارات الدولارات، في حين أن الفيروس العجيب يفعل كل ذلك بدون إنفاق دولار واحد!

وبعد حرب 1918 العالمية، بدأ المسكين أبحاثه ليتعرف على هذا العدو اللعين، حيث اكتشف الفيروس عام 1933 “فيروس الأنفلونزا العادي” أي بعد 15 عاما من وقوع الحرب، أقول اكتشف فقط عدوه، ولكنه منذ وقت اكتشافه حتى لحظة كتابة هذه الكلمات لم يستطع المسكين الانتصار على هذا العدو وتدميره، بل على العكس من ذلك، فكلما أنفق المسكين مليارات الدولارات للتوصل إلى السلاح الذي يستطيع به تدمير عدوه، طور الفيروس نفسه بنفسه، وتحور، وتمكن – بقدرة خالقه – من تغيير خواصه وتبديل خصائصه، بحيث لا يستطيع السلاح الذي طوره المسكين من التعرف عليه، أو من التأثير فيه، بدون إنفاق دولار واحد!

ولم يكتف فيروس الأنفلونزا بكل ما فعله، وإنما زاد شراسة وتحور بشكل آخر، فطور نفسه وظهر بشكل مختلف سماه المسكين أنفلونزا الطيور، لم يتمكن حتى الآن من اختراع سلاح مضاد لهذا الفيروس الجديد، بالرغم من إنفاق المزيد من المليارات، إلا وطور الفيروس نفسه من جديد وظهر بنسخة أخرى سماها المسكين هذه المرة أنفلونزا الخنازير، مع توقعات أن يكون هذه المرة وحشا قادرا على افتراس الإنسان في أي لحظة.

سبحان الله..

 

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Most Voted
Newest Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x