زاد في الفترة الأخيرة، معدل الجرائم الأسرية العربية، فلا تخلو صفحات الحوادث والجرائم في الصحف العربية من جرائم قتل داخل الأسرة الواحدة، فتجد العناوين الرئيسية للجرائم تنقسم لقسمين رئيسيين: زوج يقتل زوجته، أو زوجة تقتل زوجها، وبين هذا وذاك تفاصيل كثيرة لجرائم تتشابه أو تختلف في الشكل، لكن يبقى المضمون العام واحدا، وهو أن هناك خللا حقيقيا بين الأب والأم في هذه الأسر التي تحدث فيها مثل هذه الجرائم.
ولأن الأسباب التي تؤدي إلى مثل هذه الجرائم الغريبة على مجتمعاتنا العربية والإسلامية قد تبدو كثيرة ومتداخلة ومعقدة، إلا إنني أركز هنا على انهيار القدوة الحسنة بالنسبة للأطفال، خاصة فيما يتعلق بالجانب الإعلامي، وأعني بالتحديد القنوات الفضائية التي تبث سيلا جارفا ومنوعا من العنف في كافة أشكاله، بدءا من الأفلام الكارتون والتي تخاطب الأطفال الصغار، ومرورا بالأفلام والمسلسلات وحتى البرامج التي تستضيف بعض الشخصيات التي تشجع على مزاولة العنف، من خلال بث أفكار هدامة تحض على ممارسة العنف وأخذ الحقوق من الغير بالقوة، وكأننا نعيش في مجتمع الغابة وليس في مجتمع مدني متحضر تحكمه القوانين، وتسوده القيم والأخلاق والمباديء، المستوحاة من ديننا الحنيف، وقيمنا العربية الأصيلة، وهو ما يسمى الآن “حقي بذراعي”!
ولأن الله خلق الإنسان على فطرة البراءة، فإن تحول ميول الأطفال إلى العدوانية، ما هو إلا سلوك مكتسب من البيئة التي يعيشون فيها، الأب والأم والإخوة،و الجيران والأصدقاء والزملاء، ومن وراء كل ذلك “المفسديون”، كما كان يحب أن يسميه الراحل الشيخ عبدالحميدكشك رحمه الله، لكثرة الفساد الناتج عنه، على الرغم من عدم وجود فضائيات في ذلك الوقت”!
كنت أستمع إلى درس ديني وأنا في مرحلة الدراسة الإعدادية، وقتها قال الشيخ الشعراوي رحمه الله إن حكم التلفزيون يندرج تحت قاعدة حلاله حلال وحرامه حرام، وقتها اقتنعت جدا بهذا الحكم، حيث كان التلفزيون الرسمي بقناتيه الأولى والثانية هما ما يبثان فقط علينا الغث والنفيس، وكان الغث وقتها لا يتعدى ظهور امرأة على الشاطئ بالمايوه، أو مشهدا غراميا بين البطل والبطلة، أو رقصة خليعة تخدم الفكرة الدرامية، كما كان يبررها لنا المخرج، أما الآن لو شاهد الشيخ ما تحمله الفضائيات من معاول الهدم الأخلاقي والديني، وما تبثه من سلوكيات العنف والانحراف، لوضع التليفزيون تحت حكم القاعدة الفقهية درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ولقال أن حلاله حرام!
أعتقد أن من أهم الأسباب التي تراكمت وأدت إلى ارتفاع معدل الجرائم الأسرية، هو الخلل الشديد في تربية الأطفال وتنشئتهم على العنف، وأهم أسباب هذا الخلل هو القنوات الفضائية.