رغم ان التشريع الإلهي في كل الأديان لم يفرق بين خطيئة الرجل وخطيئة المرأة، فجعل جزاءهما واحدا، ويتبين ذلك في قوله تعالي: “الزاني والزانية فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة…” الآية، وفي قوله تعالى: “الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك…” الآية، وأيضا في قوله: “وقل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن ويحفظن فروجهن” الآية، وذلك بخلاف نصوص أخري كثيرة سواء من الكتاب أو من السنة، إلا أن المجتمعات منذ بدء الخليقة تعاملت مع خطيئة المرأة بشكل يختلف تماما عن تعاطيها مع خطيئة الرجل، بالرغم من أن الآيات السابقة قدمت الرجل قبل المرأة بشكل لا يقبل التأويل!!
وبرغم أن التشريع الإسلامي بين بجلاء حد الزنا، وفرق في هذا الحد بين المحصن وغير المحصن، سواء كان للرجل أو للمرأة، وحدد له الضوابط الصارمة لإقامته، إلا أننا نجد مجتمعاتنا العربية تتعامل بشكل يختلف تماما مع ما شرع الله، فتجد أن عقوبة خطيئة الفتاة البكر في بعض مجتمعاتنا هي القتل، وهي عقوبة غير شرعية، والأكثر من ذلك هو إنزال عقوبة القتل على فتاة دارت حولها الشبهات والأقاويل، تحت غطاء ما يسمي بجرائم الشرف أو غسل العار، بالرغم من الضوابط التي فرضها الشارع لتطبيق العقوبة، كما تجد أن بعض المجتمعات الأخرى لا تطبق أي عقوبة على نفس الخطيئة! وفي مقابل ذلك لا تعاقب هذه المجتمعات الرجل على نفس هذه الخطيئة تحت مسميات كثيرة!
والواقع ان مفهوم الشرف هو حق مطلق للرجل والمرأة معا، فعفة الرجل لا تختلف كثيرا عن عفة المرأة، مصداقا لقوله تعالى: “وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله”، فالخطاب هنا للرجل والمرأة معا، ومن هذا المنطلق فإننا نجد أنفسنا أمام أفكار مجتمع مصابة بالاضطرابات مابين الفكر الإنساني والثقافي والاجتماعي، ومن وراء كل ذلك الفكر التشريعي الديني، إلا ان هذا المفهوم طبقه الرجل في الواقع بشكل أحادي على المرأة، وذلك من منطلق الحفاظ على الأنثى وأعضائها التناسلية فقط، فتم اختزال شرف الرجل في سلوكيات وأقوال وأفعال أمه وأخته أو زوجته وبناته، ولم يعد للأمر علاقة بسلوكيات الرجل نفسه وأفعاله، وهكذا نأى الرجل بنفسه عن تطبيق حد الشرف، وألقى بكامل المسؤولية على المرأة، فأصبح الزاني عفيفا إذا لم تزن أخته، وأصبح السارق والمرتشي شريفا إذا لم تزن زوجته، وأصبح الفاسد والكاذب شريفا إذا لم تزن ابنته!!!
وهكذا نجد أن معنى العفة والشرف تغير الى مفهوم ضيق، وضعه أصحاب النفوذ والقرار والمصالح الاجتماعية في المجتمع، وبما أن الرجل هو صاحب هذا النفوذ والقرار، وهو الجنس الأقوى على مر العصور، فقد فسر هذا المعنى بالمفهوم المناسب له، وبالتالي تغيرت العقوبة والحد تبعا لهذا المفهوم، وهو ما لا يرضاه شرع ولا عقل.