عجيب أمر الإنسان، عندما يكره شخصا، لا يتوانى في إظهار مشاعر العدوان والكراهية ضده، يظهرها له في أفعاله وأقواله، وفي تلميحاته وإيماءاته، ويظهرها لكل من يعرفه ومن لا يعرفه، كأنه يفتخر بإظهار ذلك الإحساس البغيض الذي يخفيه بين ضلوعه، في الوقت الذي نكن مشاعرنا الإيجابية الجميلة ونخفيها عن من نحبهم بالفعل، وذلك من منطلق الوقار أو الحياء أو التكبر أو العيب.
لا أحد منا يستطيع أن ينكر مدى حبه لوالديه وأبنائه، لأنهم أقرب الناس إليه، لكن كم واحدا منا أغدق على أحد من أبويه أو أبنائه بكلمة حب واحدة، وكم واحدا منا يحب زوجته يعبر لها عن أحاسيسه بكلمة حب واحدة.
الكاتب ستيفن ليفين سأل في أحد كتبه السؤال التالي: لو تبقى من عمرك ساعة واحدة ولم يكن أمامك سوى مكالمة هاتفية واحدة، فمن الذي تحب أن تكلمه عبر الهاتف، وماذا ستقول له، ولماذا تنتظر حتى الآن؟ والحقيقة أن السؤال عميق ويحمل من المعاني الكثير، لكنني أحب هنا أن أحور هذا السؤال بالصيغة الآتية: لو تبقى من عمرك ساعة واحدة ماذا ستقول في كلمات معدودة لوالدك ووالدتك، ولزوجك وأولادك، ولأخواتك وأقاربك، ولأصدقائك وزملائك وجيرانك، ماذا ستقول لكل واحد منهم؟ أعتقد أن كلاما كثيرا ودافئا سيقال ما كان يقال من قبل.
وهذا ما سيدفعني للسؤال الآخر، لماذا دائما نرفض أو نتباطأ في أن نعبر لمن نحبهم بأننا نحبهم ونقدرهم، ولماذا لا نبوح بهذه المشاعر إلا في الأوقات العصيبة فقط، لماذا نمنع أنفسنا من الإحساس بالسعادة ونمنعها عن الآخرين، لمجرد أننا نخجل أو نستكبر من إظهار هذه المشاعر، وهي التي لن تكلفنا أي شيء، لن أقول هدية ولكن أقول مجرد كلمات، أو مكالمة، أو حتى رسالة موبايل أو إيميل!!
والعجيب أن أكثر من يحاولون خنق المشاعر والأحاسيس بداخلهم يدعون أنهم يفعلون ذلك من منطلق التمسك بالدين والعادات والتقاليد، والدين براء من ذلك، فرسولنا الكريم أكثر من دعا إلى إظهار مشاعرنا الإيجابية للغير، فقال صلى الله عليه وسلم: “قول الرجل للمرأة إني أحبك لا يذهب من قلبها أبدا”، وقال عليه الصلاة والسلام عندما قال له أحد من أصحابه يوما والله إني أحب فلان فقال له الرسول الكريم أخبره أنك تحبه في الله.
يجب ألا نخنق مشاعرنا الجميلة داخلنا، يجب اغتنام فرصة حياة من نحبهم، لنقول لهم أننا نحبهم، وقتها سنشعر بالفرق في علاقاتنا، في دواخلنا، وفي شكل وطبيعة العلاقة معهم، وفي شكل الحياة كلها من حولنا، إن الوقت المناسب هو الآن، اذهب واعترف لكل من تحبه بأنه تحبه في الله دون أي مصلحة، اذهب واعترف قبل فوات الأوان.