إذا سألت سؤالا مباشرا، هل حظ أمهات اليوم أفضل من حظ أمهات زمان، أم لا؟
للوهلة الأولى تبدو الإجابة تسير في اتجاه أمهات اليوم، فالأم اليوم تعيش حياة سهلة ومرفهة، فهي تستطيع أن تنظف البيت كله بأقل مجهود وفي أسرع وقت باستخدام المكنسة الكهربائية، وهي تستطيع تنظيف ملابس الأسرة كلها بدون أي مجهود يذكر باستخدام الغسالة الأوتوماتيك، وبدون الحاجة لتخصيص أي وقت لذلك، حيث أن الغسالة تقوم بالمهمة على أكمل وجه دون الحاجة لمن يتابع خطوات عملها.
والأم الآن تستطيع أن تحضر طعام أسرتها بأقل مجهود ممكن، فمحضرات الطعام لم تترك لها شيئا إلا وجهزته قبل أن يرتد إليها طرفها، فاللحم تقطعه أو تفرمه، والبطاطس تقطعها حلقات أو شيبس، والبصل والثوم تقشره وتفرمه، والطماطم تعصرها، والجزر تبشره، وجميع أنواع الفواكه تحولها إلى عصائر طازجة، والفلفل وباقي الحبوب تطحنها، حتى “الفلافل” اخترعوا لها آلة “تقريص”، و”المحشي” اخترعوا له آلة “لف”!! لدرجة أنني لا أعتقد أن هناك شيئا تفعله الأم بيديها خلال فترة وقوفها بالمطبخ، ناهيك عن كون غسالة الأطباق غالبا ما تقوم بعمل اللازم نحو غسل الأطباق وغيرها بعد الانتهاء من الطعام، كل ذلك بالطبع إذا لم يكن لديها خادمة من الأصل تقوم نيابة عنها بكل ذلك وأكثر.
كل هذه “الأوبشن” وغيرها الكثير، تجعل الأم اليوم أوفر حظا من أمهات ذي قبل، حيث كانت تقوم أمهات زمان بعمل كل هذه الأشياء بأيديهن، وبمجهودات كبيرة وشاقة جدا، بالإضافة لباقي أعمال البيت، وطلبات الزوج، وتربية الأولاد ومتابعة مذاكرتهم، إلا إنني أرى رغم كل هذه “الرحرحة” أن أمهات زمان لم يكن أقل حظا عن أمهات اليوم.
صحيح أن أم زمان كانت أقل ثقافة وتعلما من أم الآن، لكنها كانت أكثر قدرة على التعلم بالتجربة والتثقيف الذاتي، خاصة في كل ما يتعلق بشؤون البيت وتربية الأولاد، حتى إنك لتجدها أكثر حنكة في إدارة أمور بيتها، وأفضل تدبيرا وترشيدا لميزانية البيت، كما أن طعامها كان أطيب مذاقا من أي طعام على الإطلاق “ما عدا طعام زوجتي طبعا”، حتى إنك لتجد الأجيال التي تربت على أيدي هؤلاء الأمهات، أكثر ثقافة وفطنة وجدية واحتراما وأخلاقا وشهامة.
وصحيح أيضا أن أم زمان كانت أقل رفاهية، لكنها كانت أكثر سعادة وراحة بال، فقد كانت تعيش داخل أسرة كبيرة وممتدة، قللت من الضغوط عليها، فكان يشاركها في تربية وتقويم أبنائها جدهم وأعمامهم، في حالة سفر زوجها أو غيابه، كما كان يتحمل أفراد هذه الأسرة أعباء كثيرة عنها، فكانت راضية بحياتها البسيطة في مسكنها ومأكلها وملبسها.
في رأيي أنه كلما زادت الرفاهية والتطور، زادت الضغوط على الأم، وزادت مسؤولية تربية الأبناء صعوبة وتعقيدا، الله يكون في عون أمهات المستقبل.