مقالات اجتماعية

حياة الحب!

من السهل على أي إنسان أن يحب، أو أن يحبه الآخرون، ذلك أن الخالق سبحانه وتعالى منح كلا منا مجموعة من الخصال والمقومات التي تجذب إلينا الجنس الآخر، فيعجبون بما فينا، ونعجب نحن بما فيهن، ومن هنا يحدث الانجذاب، وهو ما نعرفُه نحن لأنفسنا بالحب. لذلك أمر سهل جدا ونحن في مرحلة الشباب ومرحلة البحث عن شريك الحياة، أن نعجب بأشخاص كثيرين من حولنا، نفاضل وننتقي، نتردد ونتحير، نشاور ونستخير، حتى يقع اختيارنا على الشخص الذي نشعر فعلا أننا نحبه، فإذا أصبنا النصيب ارتبطنا به، وبدأنا معه الجزء الأهم  من رحلة الحياة.

قبل الزواج وبعده مباشرة، يكون الحب في قمة التوهج بين الزوجين، حتى أن المحيطين بهما يشعرون بهذه المشاعر تشع من داخلهما، حتى دون أن يظهراها، سواء بالتصريح أو حتى بالتلميح!

ومع مرور الأيام، يبدأ هذا الحب في التبلور والوضوح، وفي خلال السنة الأولى يشعر كل من الزوجين بنضوج فكري كبير في شعوره تجاه الطرف الآخر، خاصة مع وصول الطفل الأول، وينمو الحب العذري اللطيف، ويبدأ في التحول لنوع آخر من الحب أكثر نضوجا، يشعر خلاله الزوجان بأنهما نضجا وتحولا من مجرد ولد وبنت إلى رجل وامرأة، يشعر كل منهما بالمسؤولية تجاه الآخر، فهو بالإضافة لعشقه لها يشعر تجاهها بمسؤولية الأب تجاه ابنته، فيخاف عليها وعلى مشاعرها، كما إنها تعامله كطفلها البكر، فتُنصب نفسها الأم المسؤولة عن تحقيق كل احتياجاته، وتنظيم شؤونه، بالإضافة لعشقها له، وتمتد هذه الحالة بين الزوجين حتى بلوغ زواجهما سنته الخامسة، فتقف العلاقة في مفترق طرق.

وعلى الرغم من أنه من المحال أن يستمر الحب على مستوى واحد طيلة الحياة الزوجية، فإن طريقين رئيسيين تسير في أحدهما العلاقات الزوجية بعد العام الخامس، إذا ما نحينا طريق الركود والسبات جانبا، طريق صاعد وطريق هابط، أما الصاعد فإن الحب بين الزوجين يتحور جزء منه إلى احتياج، فينمو ويتشعب، فيملأهما ويتملكهما فلا يستطيعا إلا الخضوع والانسياق له، وكلما مضى بهما العمر ازداد حبهما وفاض على كل من حولهما، أولادهما وعائلتهما الأكبر، ومع تقدم العمر يتحور جزء آخر من هذا الحب إلى تقدير، فيزيد الرباط المقدس متانة، فلا تستطيع معه مشكلات الحياة، ولحظات الركود والبرود، فك عقدة هذا الرباط أو انفراطه، سواء كان المتسبب فيها الزوج أو الزوجة، فمثل هذه العلاقة تظل طوق النجاة لتجاوز هذه العقبات، فليست المشكلة في وجودها، فهي واقعة لا محالة، بل في تجاوزها، فالحب الحقيقي بين الزوجين هو الذي يزداد مع تقدم العمر ولا ينقص، أما الطريق الثاني، فبدون الخوض في تفاصيله، هو عكس الطريق الأول.

وأعود من حيث بدأت فأقول من السهل أن نحب ولكن من الصعب جدا أن يستمر هذا الحب.

ويبقى أن يسأل كل منا نفسه السؤال الصعب، والأهم أن يجيب عليه بكل صراحة: في أي طريق تسير حياته؟

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Most Voted
Newest Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x