حوارات

في أخطر حديث منذ توليه رئاسة الوزراء.. شارون: أمن إسرائيل مش لعبة*

أحافظ على حياة عرفات حتى أجد البديل.. وأنا أكثر الرؤساء صراحة ووضوحًا

في البهو المخصص للانتظار، كان الوقت يمر ببطيء شديد، لم أكن أتصور أن هذه الفكرة المجنونة التي انطلقت في وقت غير بعيد، لم أكن اتصور أنها ستأتي بي الي هنا، في قلب تل أبيب، وفي مكتب واحداً من أعتى رؤساء الوزراء الإسرائيليين وأكثرهم تطرفاً، في مبنى رئاسة الوزراء.. تذكرت كيف مارس الزملاء في مجلس التحرير الضغوط حتى ألغي هذه الفكرة المجنونة، تذكرت ماذا قالوا لي، قالوا: ستكون خائناً.. ستكون من أنصار التطبيع وسيضموك الي جماعة جوبنهاجن بعد عودتك.. كيف ستضع يدك في يد السفاح شارون؟ وماذا ستقول له، هل ستقول له السلام عليكم، أم ستقول شالوم؟! كنت أحاول ألا أفكر في اجابات لهذه الأسئلة الكثيرة والصعبة، قلت لنفسي: سأجيب عليها في وقتها، المهم أن أسافر، لأتعرف عن قرب، على عقلية هذا الرجل الداهية، ويعرف معي ذلك قراء الجريدة.

لم أكن قد انتهيت من متابعة صور رؤساء الوزراء السابقين، والتي زينت الجانب الأيسر من البهو المستطيل.. حتى قاطعني السكرتير الخاص لشارون: تفضل، سيادة الرئيس في انتظارك.. لا تنسى، كما اتفقنا عشرين دقيقة فقط، وتبادلا الابتسامات الصفراء.. تمالكت أعصابي وحبست أنفاسي وتوكلت على الله، ودخلت.

 

لم تمر أكثر من ثلاث دقائق، سلمت فيها على شارون، وعرفته بنفسي، حتى داهمته بسؤالي الأول: وماذا بعد ياسيادة الرئيس.. ماذا بعد الاجتياح؟

– سأسحب قواتي فوراً بعد انتهاء العملية العسكرية، انا لا أريد احتلال المناطق الفلسطينية.. أريد فقط القضاء على (الجيوب الإرهابية) الفلسطينية.. لابد من اقتلاع (الإرهاب) من جذوره، نحن شعب سلام، نريد ان نعيش في سلام على أرضنا، أرض السلام، عرفات و(أرهابيوه) لا يريدونا أن نعيش في سلام. هم (متعطشون للدماء)، ماذا تقول في اشخاص (يفجرون) أنفسهم وسط المواطنيين المدنيين.. تصور شابة صغيرة تفجر نفسها وسط تجمع من المواطنيين الأبرياء.. أى جيل من (الأرهاب) هذا الذي تربوه؟

قنابل بشرية

– ولكن عفوا سيادة الرئيس، ألم تسألوا أنفسكم في اسرائيل، لماذا وكيف يجعل الشباب من نفسه قنبلة بشرية رخيصة؟ ما الذي أوصلهم الى هذه الحالة من اليأس والاحباط.. بالتأكيد مايراه من عنف واعتقالات وقتل. اعتقال الأب والجار، قتل الأخ والصديق، هو مايجعل الحياة رخيصة فداء لحرية الوطن، إذا كان المواطن الاسرائيلي غال لديكم، فها هو مواطنكم يُقتل. اعتقد ان هذه هي اللغة الوحيدة التي تفهموها.

– بالتأكيد العرب لا يفهموننا، لأنهم ببساطة لا يفهمون أنفسهم، ولكن نحن نعرفكم جيداً جداً.. أنتم تريدون كل شيء، حتى وإن كنتم لا تملكون الامكانيات اللازمة لتحقيق ما تريدونه.

سأعطي لك مثال: باراك في فترة رئاسته للوزارة، قدم لكم عرضا مغرياً في كامب ديفيد، اعتقد انه لن يتكرر مرة أخري، كان عرفات (غبياً) عندما رفضه، ولكننا كنا محظوظين بالطبع برفضه هذا.. ما أريد ان أقوله أن الفلسطينيون لا يريدون سلام.

لابد ان تعرف اننا حاربنا العرب مرتين عامي 48 و67 (واسترددنا) 78% ثم 22% من أرضنا.. أرض الميعاد، ما نتكلم عنه في المفاوضات هو الـ22% من الوطن الأصلي، كيف نعطيه لهم؟! أنكم بذلك تنسفون الدولة الاسرائيلية من الأساس.

– يقولون سيادة الرئيس إنك لا تحب عرفات.. وإنك تكرهه منذ حصار لبنان.

– في الحقيقة، عندما أفكر في حصار لبنان وخروج عرفات الي تونس، أشعر أنني كنت غبياً عندما لم أتخلص منه، كانت هذه هي الفرصة الحقيقية للتخلص من عرفات.

– ولكنك تكلمت مع موفاز هاتفياً للتخلص منه، فهل تريد التخلص منه الآن بالفعل؟

– بالتأكيد لسنا أغبياء لهذ الدرجة، لن أخفيك سراً أن المكالمة الهاتفية التي نشرتها وكالات الأنباء سربها الموساد متعمداً، هذا جزءً من حرب الأعصاب ضد عرفات وقتها. ولكنني لن أقتل عرفات. طبعا ليس حباً فيه، ولا لكونه – كما تقولون – شريك سلام، ولكنني لن أجعل منه بطلاً قومياً، سأتركه، ولكن بعد ان يكون غير قادراً على عمل أى شىء.

ثم ماذا سنستفيد من قتله، لسنا لدينا الآن بدائل مناسبة مكان عرفات، وأما أنتم فالبديل لديم (متطرفي) حماس، إذن نحن نريد عرفات الآن.

– إذا كنت لن تمس عرفات بسوء، فلماذا اذن هذا الاجتياح والتدمير والقتل في الشعب الفلسطيني؟

– كان لابد لنا من اتخاذ موقف حازم تجاه (الارهابيين) الفلسطينيين، خاصة بعد زيادة العمليات (الارهابية) في الفترة الأخيرة بشكل لم يسبق له مثيل، مشكلتكم انكم لا تقرأون، لوكنتم تقرأون جيداً لعرفتم ان خطة الاجتياح جاهزة علي مكتبي منذ أكثر من عدة شهور، وستفاجأ اذا قلت لك إن احدي المجلات الامريكية نشرت سيناريو مطابق تماماً لخطة الاجتياح، فهل قرأتموه؟! بالطبع لا، وهذا جيد! المهم انني كنت أحاول دائما تأجيل العملية لأسباب أمنية، إلا ان زيادة الضغط من الرأى العام الاسرائيلي ضدي من جراء العمليات (الارهابية) ضد المواطنين الأبرياء، هي التي جعلتني اتخذ هذا القرار.

أهداف العملية

– ولكن ماهي مدة وأهداف هذه العملية؟

– مدة العملية لن تتجاوز الأربع أسابيع تقريباً، أما أهدافها ببساطة هو رد ما أخذته السلطة الفلسطينية منا طوعاً في أوسلو بالقوة، طبعا تعلم ما أعني؟

– ليس بالضبط!

– ضحك باستخفاف: الأسلحة، والدولة التي بنيتموها على أرضنا.

– وهل القطاع موجود في هذه العملية؟

– ضحك باستخفاف مرة أخرى: لم تتطرق لها النيوزويك.

– لم أكن أملك الوقت الكافي لأناقشه في أفكاره المتطرفة، وطريقته المقززة المستفزة، قلبت أوراقي وقررت سريعاً ان انتقل لنقطة أخرى.

يقول العرب إنك رجل حرب، متعطش للدماء، فهل تعرف ذلك، وبماذا ترد عليه؟

– نعم أنا أعرف كل ما يقوله العرب عني، بل وعلى رؤسائهم أيضاً، وهذا لا يهمني كثيراً، ولكني أريد أن أقول لك شيء: أنا لست رجل حرب، ولا مجنونا، بل على العكس من ذلك.. أنا رجل عسكري، أعتقد أنني من أكثر رؤساء الوزراء وضوحاً وصراحة.. وأنا رئيس شرعي، منتخب من شعبي، أتحرك من خلال استراتيجية ثابتة، تحدد من قبل مؤسسات الدولة، وفي أطار السياسات الخاصة بحزبي، والدليل على ذلك هو توافق الرأي العام الإسرائيلي، والتفافه حولي، في ظاهرة نادراً ما تحدث داخل المجتمع الاسرائيلي المتعدد الأعراق، بل الأكثر من ذلك فان الاستفتاءات الشعبية عبرت عن ذلك كله بكل وضوح، بزيادة شعبيتي بشكل لافت للنظر، لدرجة ان أكثر من 73 مواطن من كل 100 يوافقونني في كل ما أفعله، هذا جيد بالتأكيد. فهل لديكم نسبة مثل هذه في بلادكم؟

وهنا أحب أن أوضح لكم مسألة بديهية بالنسبة لنا، مشوشة بالنسبة لكم، وهي أنه لا توجد خلافات جوهرية بين رؤساء الوزراء المتعاقبين في اسرائيل، حتى وان اختلف انتمائهم الحزبي، ما بين الليكود والعمل، أو حتى أي حزب آخر، نحن نتحرك كما قلت من خلال سياسات ثابتة، هامش الحركة فيها بسيط لا يكاد يؤثر على خطوطها العامة، ويتوقف على ما يدور في أرض الواقع، فقط تختلف شخصيات الرؤساء، هذا غليظ قليل الابتسام، وهذا جاد، وهذا دمه خفيف، يختلف البعيد فيهم، ولكنهم لا يختلفوا كثيراً في تطبيق السياسات، وما أدل على ذلك من أن الفلسطينيين لم يستطيعوا منذ بدء المفاوضات الحصول على تنازلات متفاوتة من الرؤساء، حتي وان كان نتنياهو جاف، أو باراك طيب القلب، أو حتى من راهنوا على رابين نفسه، لم يكن سيعطيهم أكثر مما كانت ستعطيه اسرائيل لهم من خلال خلالي أنا (على سبيل المثال).

مجرم حرب

– هل تعلم ان حملات تبرعات بدأت في معظم بلدان الوطن العربي، بل وفي بعض المدن الاوروبية، لتمويل محاكمتك كمجرم حرب، عما فعلته أبان مذابح صبرا وشاتيلا.. كيف ترون ذلك؟

– العرب دائما يتكلمون.. أنتم تحبون رفع الشعارات النارية، والملهبة لحماس شعوبكم، ولكنكم سرعان مات نسوها وترفعوا شعارات جديدة، ربما كانت هذه جزءاً من سياسة حكامكم، ولكن يبدوا انكم دائما لا تعون الدرس، ولا تتعلمون من أخطائكم..

– ولكنك لم تجيب على السؤال..

– ابتسم وقال: آه.. هذا شىء من نسج خيالكم أنتم.. إذا كان أحداً سيحاكم أمام المحاكم البلجيكية، فهو عرفات عن (ارهابه) ضد مواطنينا الأبرياء، نحن أيضًا بدأنا في اتخاذ اجراءات ذلك.

– ولكن اسمح لي أن أقول أن هذه المعلومات مغلوطة بالطبع.. فياسر عرفات لم يكن ارهابياً قط، ياسر عرفات مناضلاً، امضى………

قاطعني أحد الحاضرين الثلاثة بالعربية: من فضلك انتهى الوقت المخصص للمقابلة، انتهت العشرين دقيقة، إذا كان لديك سؤال أخير أرجو ان تلقيه بسرعة حتى تختم المقابلة..

تعثرت قليلاً.. بدأت أرتب اسئلتي الأخيرة.. اقتنصت بعض اللحظات كان شارون يتابع مع مساعديه بعض الأوراق.. انتهت اللحظات.. قررت ان اختصر أسألتي كلها في سؤالين فقط.

لدى سؤالين فقط: ماذا كنت تعني بالتلويح بضرب السد العالي في مصر، وما رأيكم في الموقف العربي والإسلامي الشعبي الموحد ضدكم، وضد اسرائيل، كذلك اللوبي العربي الإسلامي الأوروبي؟

– انا لم ألوح ابداً بضرب السد العالي في مصر.. أما بالنسبة للموقف الشعبي العربي والإسلامي، وكذلك اللوبي المتنامي ضدنا في أوروبا، فهذه أمور حدثية، سرعان ما ستنتهي بمرور الوقت، إلا إننا نعتكف حالياً على دراسة هذه الموضوعات، وسنقوم بما هو مناسب تجاهها.

إيلي حبيقة

– السؤال الأخير سيادة الرئيس، وأرجو ان تكون الاجابة عليه بنعم أم لا: هل للموساد دور في اغتيال إيلي حبيقة؟

– الموساد دائما يقوم بواجباته على أكمل وجه.

تحرك شارون في كرسيه الفخم. اشارة بانتهاء المقابلة.

تحركت انا أيضاً، حييته تحية صامتة، وابتسمت ابتسامة صفراء للجميع. لملمت أوراقي وبدأت الأفكار تتسلل في داخلي مرة أخرى: هل أخطأت في قرار اجراء هذه المقابلة الشارونية؟ هل سيقول القراء بعد قراءة هذه السطور، انني عميل وسيضمونني بالفعل الى حركة كوبنهاجن.

طرحت الأفكار بعيد عني، وهتفت بداخلي عاشت فلسطين، عاشت الأمة العربية حرة.. وانطلقت.

———————————————————————————————————-

*هذا الحوار هو حوار “تخيلي” ضمن مشروع التخرج للدورة التدريبية في “نماذج التجديد في التغطية الصحفية المحلية والخارجية”، والتي حاضر فيها الأستاذ الدكتور فاروق أبو زيد، عميد كلية الإعلام، جامعة القاهرة، ابريل 2002م.

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x